من المرجح أن ينسب المؤرخون المستقبليون فشل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تحليله للظروف الاقتصادية في سياق ما كانت عليه في الماضي. فقد كان الخطر الحقيقي والقائم خلال معظم العقد الماضي هو الانكماش وليس التضخم. واستغرق الأمر كثيرا من الوقت ـ قبل أن يدرك صانعو السياسة النقدية أن الظروف قد تغيرت، وأن يتخذوا إجراءات الاستجابة، وفقا لذلك. وفضلا على ذلك، تعد السياسة النقدية أداة فظة للتعامل مع التضخم الناجم - ولو جزئيا- عن صدمات العرض السلبية. ونظرا لتفشي اضطرابات سلسلة التوريد بالفعل، كان لدى الاحتياطي الفيدرالي ما يبرر به قلقه من أن الزيادات الوقائية في أسعار الفائدة، حتى لو نجحت في تجنب التضخم، ستؤدي إلى تفاقم ظروف العرض السيئة بالفعل وتدمير الاقتصاد الهش. ومن ثم، ربما تكون الولايات المتحدة قد فشلت في إدارتها للتضخم، لكن إدارة بايدن كانت مسؤولة عن أزمة واحدة فقط من الأزمات الثلاث، إذ لم تكن اضطرابات الإمداد المتعلقة بجائحة كوفيد خطأها، ولم تكن الإدارة مسؤولة عن رد الفعل المتأخر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. والواقع أن بايدن مارس ضبط النفس بعدم الضغط على البنك المركزي للحفاظ على موقفه المتجاوب، على عكس الرؤساء السابقين، مثل: ريتشارد نيكسون ودونالد ترمب. والآن بعد أن تراجع تضخم الإنفاق الاستهلاكي الشخصي إلى ما يقرب من 3 في المائة، بانخفاض بنحو الثلثين عن ذروته، هل سيحصل بايدن على قدر أكبر من التقدير لإنجازاته الاقتصادية؟ ستعتمد الإجابة، أولا على ما إذا كان هناك اعتراف عام واسع النطاق بانحسار التضخم، وأي إدراك من هذا القبيل لن يكون فوريا، إذ في الأغلب ما تستمر التوقعات القصيرة الأجل المتعلقة بصدمات التضخم. إن تجاوز المخاوف بشأن التضخم يمكن أن يكون له تأثير ملموس في الآمال والمخاوف الطويلة الأمد فيما يتعلق بالتضخم. ومن المرجح أن يكون بطء التوقعات في التكيف مع الظروف الاقتصادية الفعلية أكثر وضوحا في عصر الأخبار المزيفة، عندما يتلقى المستهلكون والناخبون معلومات صادرة عن غرف وسائل الإعلام تخبرهم فقط بما اعتادوا على سماعه، فإذا قيل لهم أن التضخم الجامح لا يزال يمثل مشكلة حتى عندما لا يكون كذلك، فقد يستمر التأخر الإدراكي إلا ما لا نهاية. ويجب أن يروج بايدن لإنجازاته الأخرى، فمعدل بطالة 3.5 في المائة يعد إنجازا. وتعد المستويات المنخفضة التاريخية لمعدلات البطالة في صفوف الأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية وأمريكا اللاتينية إنجازا أيضا، شأنها في ذلك شأن الأجور الاسمية في 2022 التي نمت بنسبة 11.3 في المائة فيما يتعلق بالأمريكيين من أصول إفريقية ممن يعملون بدوام كامل، مقارنة بـ7.4 في المائة في صفوف القوى العاملة عموما. وهذه علامات على أن "اقتصادات التوزيع السريع" لبايدن ناجعة. ولكن يجب على الرئيس أن يعترف بأن التضخم كان حقيقة مؤلمة للأمريكيين، حتى يتجنب الظهور بمظهر مفرط التفاؤل. ويجب أن يؤكد أن حجم المشكلة قد انخفض كثيرا الآن، وأن يثق في أن الاحتياطي الفيدرالي يجعل الأمر كذلك. ويجب أن يأمل ألا تطغى الأساطير السياسية على الحقائق الإحصائية المتعلقة بالأشهر الـ15 المقبلة. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :