عوامل تكبح انتعاش الاقتصاد العالمي (2 - 2)

  • 6/12/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان*يضاف إلى الظروف الداخلية الهشة في الاقتصادات الناشئة كما في الأرجنتين وتركيا، تهديد ارتفاع قيمة الدولار ورفع أسعار الفائدة الأمريكية لعملاتها المحلية، واضطرارها تحت ضغط الظروف القاهرة لتخفيض عملاتها وبالتالي عرقلة الأنشطة الاقتصادية.كشفت التطورات الأخيرة عن وجود شروخ في الصورة الوردية التي تشكلت عام 2017 والذي كان عاماً استثنائياً بكل المقاييس سواء من حيث أرباح الشركات أو نشاط أسواق المال، ولكن مؤخراً توقف العديد من عوامل الدفع وآلت إلى عوامل تعطيل وتخريب. وفي الوقت الذي قد تشكل بعض تلك المستجدات مفاجأة إلاّ أن الصورة الكلية ينبغي ألا تفاجئ أحداً خاصة في ظل عدد من العوامل من بينها أن هناك قضايا لا يزال فهمها قاصراً.فالعراقيل السياسية التي تحول دون اعتماد قرارات اقتصادية حاسمة، تتسبب في تفاقم أضرار بعض الألغاز الاقتصادية والتي من أبرزها ضعف معدلات الإنتاجية. ولو أضفنا إليها العلاقة غير المفهومة بين البطالة والأجور والتضخم، لخلصنا إلى سؤال منطقي حول سرعة ضبط وتعديل الفوارق في المداخيل والثروات والفرص.ومما يعزز غموض المنطق التحليلي، التأثير الشامل للتغيرات التقنية وخاصة التأثير المتصاعد للذكاء الاصطناعي والكم الهائل من البيانات واقتصاد الحركة. هذا الثلاثي لا يغير فقط أنشطتنا بل طريقة القيام بها. ويتزامن التوسع الهائل في الأنشطة، بما فيها فرص تمكين الأفراد على نطاق أوسع، مع مخاطر التهميش والاستقطاب السياسي والحركات الراديكالية.ولا شك أن التخارج التدريجي من شبكة الأمن المالي ينطوي على مخاطر، ويتفاقم ذلك بالتزامن مع عزم البنوك المركزية على وقف برامج التحفيز المالي وشراء السندات وكبح تذبذب أسواق المال. وخلافاً لما كان سائداً خلال فترة تحفيز الاقتصادات وتدني التذبذب، لم يقدم أي بنك مركزي كبير هذا العام على أي خطوة لكبح التذبذب سواء كان الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وموقفه من هزة الأسواق في فبراير/شباط أو موقف البنك المركزي الأوروبي من الخلل الذي تسببت به السندات الإيطالية مؤخراً.واعتبر كثيرون ذلك جزءاً من توجه البنوك المركزية العام نحو التخلي عن تحمل مسؤولية السياسات الاقتصادية بمفردها في ظل ركود عام. ويبقى موقف الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أفضل حتى الآن حيث تشعر الأسواق بالارتياح لاستمراره في تشديد سياسته النقدية حسب الخطة المعلنة. وما هي إلا مسألة وقت حتى يسير المركزي الأوروبي والياباني على الخطى نفسها، بالإعلان عن وقف شراء السندات والإعلان عن جدول زمني لتخفيف العجز في ميزان كل منهما الختامي والشروع في دورة رفع أسعار الفائدة على مراحل. وبعد أن أثبت الاحتياطي الفدرالي أن «تطبيع» أسعار الفائدة ممكن، لا نزال ننتظر أن تبدأ بنوك مركزية كبرى أخرى بتطبيع أسعار الفائدة في توقيت واحد.والجدير متابعته هو تباين معدلات النمو. فبعد أن كشف تقرير الوظائف الأمريكي الأخير عن عدد من الوظائف فاق التوقعات وارتفاع في معدل أجور ساعات العمل تعززت القناعة بأن الاقتصاد الأمريكي في وضع أفضل مقارنة مع اقتصادات متقدمة أخرى في العالم. وفي حال استمر الاحتياطي الفدرالي في تنفيذ خطة تطبيع الفائدة من خلال رفع معدلاتها هذا العام وهو عنصر دعم آخر للدولار. وفي حال انزلاق العالم نحو الحرب التجارية سيبقى حجم الضرر الذي تتعرض له الولايات المتحدة باعتبار مدى التنوع الاقتصادي فيها أوسع، أقل نسبياً وبالتالي ستكون أقل تضرراً من النزاعات التجارية مقارنة مع ما تتعرض له اقتصادات متقدمة أخرى.وتنطوي كل السيناريوهات على مخاطر للاقتصادات الناشئة. ويضاف إلى الظروف الداخلية الهشة في الاقتصادات الناشئة كما في الأرجنتين وتركيا، تهديد ارتفاع قيمة الدولار ورفع أسعار الفائدة الأمريكية لعملاتها المحلية ما ينعكس على استقرار قطاعات أخرى من أسواق المال فيها ولتضطر تحت ضغط الظروف القاهرة لتخفيض عملاتها وبالتالي عرقلة الأنشطة الاقتصادية. وفي حال نشبت الحرب التجارية فسوف تزيد ضغوط البيئة الاقتصادية غير المرغوبة لتلك الاقتصاديات من عوارض عدم الاستقرار.ولا تقتصر احتمالات الخراب على الاقتصادات التي تدار بشكل سيئ أو التي تعاني من خلل في موازينها الختامية. فحتى تلك المصنفة في رأس القائمة من حيث الأداء سوف تتعرض لصدمات في المدى القريب، الأمر الذي قد يشكل مفاجآت لصناع القرار وللمستثمرين أيضاً.وكما كشفت التذبذبات الأخيرة، فإن انتقال العدوى عبر الحدود خاصة تأثير الهروب السريع للأموال الساخنة وتأثيره على المؤسسات المالية. ويكفي تأمل موجات البيع التي شهدتها سندات الأسواق الناشئة خلال شهر مايو /أيار للوقوف على حجم الكارثة.إلا أن ما يبشر بالخير أن تكثيف هذه الموجات ليس حتمياً. ويملك صناع القرار من الأدوات ما يكفي لمحاصرة القوى التخريبية. لكنهم بحاجة إلى الإرادة السياسية المطلوبة لتنفيذ خطة شاملة تقوم على الخبرة والتجربة وقابلة للتعديل عبر مسار تنفيذها.وكلما كان تحرك صناع القرار أسرع، منحت الشركات فرصة أفضل للتوافق. ولا شك أن تعزيز الموازين الختامية وتقليص التعرض لتذبذبات العملات وتقوية الثقة وتقليص الاعتماد على صفقات التمويل قصير الأجل يمكن كلها أن تلعب دوراً مهمّاً في بناء المرونة. كما أن العقلية المنفتحة والحرص على الاستثمار في العناصر البشرية والتقنية يساعد في زيادة الرشاقة.وما يحتاجه المستثمرون كي ينشطوا في بيئة عالمية سلسة هو المرونة والرشاقة. فهم ينبغي أن يركزوا على الاستثمارات في موازين ختامية راسخة ويتجنبوا الضغوط التي تخرجهم من السوق مثل الصدمات الناتجة عن عدم الاستقرار ويتصدوا للمخاطر التي تنتج عن تلك الصدمات. ومن هنا فهم يفضلون البيئة الأمريكية على غيرها، خاصة إذا شعروا أن التوترات ستقود إلى حروب تجارية أكبر، كونها تضمن لهم تجنب مخاطر الهزات التي تنشأ محلياً في الاقتصادات الناشئة.وعلى الرغم من أهمية العوامل الداخلية لكل بلد إلاّ أن ما حدث مؤخراً كان ناتجاً عن تطورات أشد قوة على المسرح العالمي. وفي غياب سياسة عالمية متناسقة سوف يفاجأ صناع القرار بتفاقم تلك الهزات مستقبلاً والتي لابد أن تلحق الضرر بالنمو الشامل والاستقرار المالي على المدى المتوسط.ويتطلع المستثمرون والشركات إلى اليوم الذي تتحمل فيه الحكومات مسؤولياتها حيال تسريع السياسات الداعمة للنمو. والأمر متعلق بالتمييز بين ما هو مرغوب فنياً وما هو مفيد سياسياً. ولا تزال هناك فرصة للفوز، لكن المماطلة وانتظار الآتي هو مكمن الخطر. وأي تحرك لتعزيز المرونة والشفافية والرشاقة كفيل بتجنب دخول الاقتصاد العالمي في نفق ركود جديد ومخاطر زلزال مالي غير بعيد.* كبير المستشارين في أليانز

مشاركة :