عمّان - منذ أن تولى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الحكم عام 1999، بدأ الحديث في معظم لقاءاته الشعبية والرسمية عن مسيرة إصلاح تقود نحو تحول ديمقراطي وتعزز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وصولا إلى الانتقال إلى نهج الحكومات البرلمانية في إطار عملية تطويرية تراكمية. وبين أكتوبر 2016 وأبريل 2017، أصدر الملك عبدالله الثاني ما تُعرف بـ"الأوراق النقاشية" وعددها 7، وهي تمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل، واحتوت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة منها على خارطة واضحة لخطوات التحول نحو حكومة برلمانية. واختار العاهل الأردني أن يتخذ خطوات عملية لتحقيق تطلعاته، فقرر في يونيو 2021 تشكيل لجنة ملكية مُكلفة باقتراح تغييرات في شكل الحياة السياسية للمملكة. وحينها حدد محاور التكليف باقتراح تعديلات على قانوني الانتخاب والأحزاب، والنظر في تعديلات دستورية متصلة بالقانونين وآليات العمل النيابي، وتقديم توصيات لتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار. وبالفعل في يناير 2022، أقر برلمان المملكة 26 تعديلا مقترحا من أصل 30 على الدستور أرسلتها الحكومة، بناء على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. عامر بني عامر: الوقت لا يزال مبكرا لتشكيل حكومة برلمانية في الانتخابات القادمة عامر بني عامر: الوقت لا يزال مبكرا لتشكيل حكومة برلمانية في الانتخابات القادمة وعلى الرغم من اعتبار مراقبين أن غالبية تلك التعديلات "وسّعت صلاحيات الملك"، إلا أن قسما آخر منها ركز على التعديلات المتعلقة بقانوني الانتخاب والأحزاب، وتخصيص 41 مقعدا برلمانيا من أصل 138 للأحزاب في الانتخابات المقبلة، ليرتفع العدد المخصص للأحزاب تدريجيا إلى ما يعادل 65 في المئة من إجمالي المقاعد (نظريا بعد 12 عاما)، بما يتيح في النهاية تشكيل حكومة برلمانية. وخلال لقائه بسياسيين وصحافيين في يونيو الماضي، أكد الملك عبدالله الثاني على أهمية الانتخابات النيابية المقبلة (محتملة في 2024)، قائلا "نريدها أن تكون محطة رئيسة في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية". ودعا الأحزاب إلى الاستفادة من الفترة المقبلة لبناء برامج واقعية وواضحة لإقناع الناخبين بها، مشددا على أهمية زيادة نسب التصويت بتحفيز الناخبين على المشاركة الفاعلة في عملية التحديث السياسي، وتشجيعهم على الترشح والانتخاب، ولاسيما الشباب والمرأة. وأضاف العاهل الأردني أن "عملية التحديث السياسي جاءت لتبني على ما تم إنجازه، ووضعت خارطة طريق واضحة لتحقيق الأهداف المرجوة بشكل متدرج وآمن". وجاء هذا الحديث قبيل أشهر قليلة من عقد الدورة العادية الأخيرة من عمر البرلمان، ما يعني ضمنا أن الانتخابات القادمة ستكون في موعدها العام المقبل. وجميع تلك المعطيات تخلص إلى أن عدد المقاعد المخصص للأحزاب في أول انتخابات مقبلة، وعلى الرغم من عدم تحقيقه للنسبة التي تمكن المجلس من تشكيل حكومة، إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية حدوثه، إذا استطاعت الأحزاب تشكيل تحالفات تقصّر من الفترة اللازمة للوصول إلى الحكومة البرلمانية. ويقول وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة إن "المشروع الملكي يقوم على التدرج في بناء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) ليكون مجلسا بأغلبيته من أعضاء الأحزاب". ورأى أن "التدرّج يأتي لإعطاء الأحزاب فرصة للانتشار، وفرصة للمجتمع ليكون أكثر قناعة ويندمج في العمل الحزبي (..) التوقيت النظري (لتشكيل حكومة برلمانية) بعد 12 عاما، ولكن هذا لا يمنع من بناء حكومات تكون الأحزاب ذات الثقل البرلماني في المجلس القادم جزءا منها". ولفت المعايطة إلى أن "بعض الأحزاب ربما تحصل على مقاعد عبر القائمة الحزبية ومقاعد عبر القوائم المحلية، لهذا ليس هناك ما يمنع تشكيل حكومات تشاركية مع تلك الأحزاب، لكن بنية قانون الانتخاب والأسس التي قام عليها مشروع التحديث تتحدث عن تدرج خلال 12 عاما". وفي المقابل، استبعد عامر بني عامر مدير مركز "راصد" (غير حكومي للرقابة على الانتخابات وأداء الحكومة) تشكيل حكومة برلمانية في المجلس النيابي القادم، معتبرا في حديث أن "الوقت ما زال مبكرا لذلك". ◙ البرلمان القادم سيُحكم بأغلبية برلمانية وسيكون هناك من أربع إلى ست كتل برلمانية حزبية تسيطر على معظم مقاعد المجلس وأضاف أن "المتوقع والسيناريو الأكثر وضوحا، بناء على المعطيات الحالية والفرضيات التي بنيت عليها مخرجات اللجنة الملكية، أن البرلمان القادم سيُحكم بأغلبية برلمانية.. سيكون هناك من 4 إلى 6 كتل برلمانية حزبية تسيطر على معظم مقاعد المجلس". واستدرك "لكن هذا لا يعني بالضرورة تشكيل حكومة برلمانية بالمعنى المباشر، ولكن بالتأكيد ستنال الأحزاب وأغلب أعضائها نصيب الأسد من تشكيل وزراء الحكومة القادمة". وختم بني عامر بالقول إن “البرلمان القادم سيكون تجربة أولية للحكومات البرلمانية دون تسميتها بذلك، مع ضرورة التنويه بأن هذه الفرضية تتماشى مع عقيدة الإصلاح السياسي في الأردن، والمبنية على فكرة التدرج لأجل الاستدامة”. واعتبر محمد المومني الوزير الأسبق ورئيس لجنة التوجيه الوطني في مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن "حديث الملك الأخير ودعوته الأحزاب إلى الاستفادة من الفترة المقبلة لإقناع الناخبين ببرامجهم، تمثل رسالة واضحة، فهو يريد الوصول إلى رؤية تحدث عنها طيلة السنوات الماضية، وهي نهج الحكومات البرلمانية الحزبية". وتابع "لا أستبعد أن تظهر بعد انتخابات العام القادم تحالفات حزبية مع مرشحي القوائم داخل البرلمان، وهذا سيؤسس لمحطة برلمانية مختلفة في مستقبل الدولة الأردنية الحديثة، وبالتالي فإن الأحزاب ستوجه شكل الحكومة القادمة، وسيكون لها حضور وتأثير واضحان". غير أن المومني استدرك "قد لا نصل إلى حكومة برلمانية بمفهومها الحقيقي بعد الانتخابات القادمة، إلا أن نتائج الأحزاب ستبين مستوى قناعة الشارع ببرامجها، ما يعني ارتفاع أعداد مقاعدها دورة تلو الأخرى أو خروجها من المشهد، وهذا سيؤدي في النهاية إلى استمرار الأحزاب القوية منها، وصولا إلى تشكيلها للحكومات البرلمانية المنشودة". وختم بأن "مستقبل العمل السياسي وقواعد عمله يتغيران ويتطوران، ومن لا يلحق بقطار الأحزاب الآن، سوف تفوته قوة التأثير في المشهد السياسي".
مشاركة :