«الفلاسفة والحب» لماري لومونبيه وأود لانسولان ... شفاء النفس

  • 3/8/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

«آه، لقد اكتست عظامُنا جسداً جديداً من الحب». هكذا يقول رامبو عن الحب، ذلك المجهول الذي تستوطنه طاقة جليَّة، قد تقود المرء في بعض الأحيان إلى الجريمة وتقوده إلى الأعمال التطوعية والإنسانية. يتناول كتاب «الفلاسفة والحب... الحب من سقراط إلى سيمون دي بوفوار»، للكاتبتين ماري لومونبيه وأود لانسولان، ترجمة دينا مندور، الصادر أخيراً عن دار «التنوير»، كبار المفكرين والفلاسفة، أمثال: أفلاطون، لوكريس، مونتاني، جان جاك روسو، إيمانول كانط، أرثر شوبنهاور، فريدرك نيتشه، مارتن هايدجر، جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار، في علاقتهم بصاعقة الحب والرغبة والإتصال، وتأثير ظروف الحياة وتجارب الفلاسفة على آرائهم، وهل يعدون مرشدين عاطفيين؟ والمؤلفتان درستا الفلسفة في جامعة السوربون وتعتبران من أبرز المحللين في ميدان الفلسفة والثقافة عموماً. وعلى رغم قلة عدد الفلاسفة النساء في الكتاب، إذ تم نقاش الحياة العاطفية لسيمون دوبوفوار فقط، نستطيع أن نعطي بعض التفسيرات لما نلاحظه، من أفكار غرائبية واعتقادات غير مبررة، فقد نفهم أن الفلاسفة يطالعون تلك العاطفة الغريبة بكثير من التعقل لأنهم مشغولون بتحرير الإنسان من كل أشكال العبودية العقلية. يقول الفليسوف الروماني لوكريس الذي يدين الحب - ظهر في القرن الأول قبل المسيح - ووفق ما ألهمته الفلسفة الإغريقية أن الفلسفة تهدف إلى «تخليص الإنسان من المتاعب». ويؤكد أبيقور، «يكون خطاب الفيلسوف خاوياً إذا لم يساهم في شفاء ألم النفس»، فيما يؤدي الحب بالإنسان إلى الموت كمداً وتدير أنظمة الفلسفة الحديثة الظهر في شكل أو آخر لهذا الإنشغال بـ «الحياة المريحة». وهو ما يسمح بفهم الارتياب الذي يسببه هذا الشعور للفلاسفة، فالحب مقترن بالرثاء والحوادث الغامضة والرواسب النفسية، وكلها أمور لا تشرق عليها شمس العقل، لذلك فالحب لم يكن موضوعاً عند الفلاسفة، فيما كان موضوعاً مسلياً في الأدب. ومع كون الحب الظرف القدري للسعادة عند غالبية البشر، والعنصر المقاوم لكل أشكال العقلنة، والعنصر الدائم لكل أشكال الدراما الأدبية، إلا أن الفلاسفة أثاروه بتحفظ يشبه من يدخل إلى قفص الأسد ويخشى أن يؤكل حياً. كانت النساء بالنسبة إلى جان جاك روسو، الذي كان يبلغ من العمر عشرين سنة حين أصبح عشيقاً لمدام وارين، صاحبة نزل شارميت، وكانت هي تبلغ من العمر ما يكفي لتصير والدته، جحيم حياته على امتدادها. إن الاحتفاء بالحب ليس أمراً بديهياً عند روسو، بل كان إعادة تربية بطيئة، وإعادة اكتشاف لمناطق روحية خاصة وحميمة وتأريخ لاضطراباته العصبية الجنسية، من خلال الصراحة المراوغة في الاعترافات التي تعد أبلغ دليل والتي كتب فيها أنه لم يعرف حباً كبيراً حقيقياً، فالحب «حيلة معدية، رجل كاد يموت من دون أن يعرف ذاته». وذهب روسو إلى أبعد من ذلك في معالجته لقضية التربية فقد قدم الرغبة الجنسية على أنها «اجتياح غير طبيعي»، بل وذهب إلى تخيل أنه إذا عاش رجل وحيداً على جزيرة منعزلة من الممكن أن يموت من دون أن يجربها. ويشدد سقراط على أنه إذا كانت الرغبة هي «رغبة في شيء ما»، وإذا كان المرء لا يرغب إلا في ما لا يمتلكه، إذاً فقد أخطأ المداحون خطأ بالغاً حين زيَّنوا الحب بكل أشكال الخير والجمال. أو أنهم، في أفضل الأحوال «لا يرون منه إلا جزءاً من حقيقته». وفي نوع من الهروب الصوفي يعبر سارتر عن ثقته في الحب: أن أكون محبوباً، فأنا لم أعد عنصراً منفصلاً عن أساس العالم، أنا ذلك الذي عن طريقه يرى إنسان آخر العالم. أن أكون محبوباً، فأنا أصبح العالم نفسه. ويكمل: «فلم يحدث أن كشفنا ما يدفع رجالاً ونساءً إلى أن يلقوا بأنفسهم ببوهيمية وفي شكل متواصل نحو شعور يدمرهم أحياناً ويضلهم غالباً، وينقذهم في أندر الحالات». وعندما كتب لوكريس عن العشاق «إن حياتهم تكون رهناً لهوى الآخر»، «هذا الخضوع هو ما كان يسبب الرعب لمونتاني الذي دأب على البقاء في منطقة الاعتدال، فكان عاشقاً واعياً ومقدراً للمعشوق، فهو لديه اهتمام صادق وتقدمي موجه إلى الشريك... «أخشى أن أهين من أحب، بل أحترمه عن طيب خاطر. وإلا فماذا تكون تلك العلاقة التي ننزع عنها الإحترام فنسلبها بريقها». يقول: «وهكذا لم أكن أترك لنفسي العنان فأتمتع من دون أن أنسى نفسي، «قليل من المشاعر من دون استغراق في أحلام اليقظة، فالحب عند مونتاني ليس سوى: إثارة يقظة، وحيوية ومرح». ويقرر سورين كيركجارد، الفيلسوف الدنماركي قطع علاقته بخطيبته «ريجينا» التي أحبها حتى وفاته، لأن عالم الأفكار والفلسفة لا يتوافق مع عالم الحياة الواقعية. ويخاطب ريجينا في يومياته: «أفهمُ أنكِ عانيتِ بطريقة لا توصف، ولكنني عانيتُ أكثر كما أعتقد وكما أعرف، ومع ذلك فأنا أطلب منكِ العفو». ومن وجهة نظر إيمانويل كانط - الرجل الفخور أنه لم يسمع والديه ينطقان بكلمة نابية طوال حياته، ولم يتشاجرا في أي مناسبة – الحب ينبع من مذهب أكل لحوم البشر. ويكفي أن تقرأ مقطعاً من كتابه «مذهب الحق»، وهو العمل الذي حظي بانتشار محدود نظراً إلى سمته الفاجرة، ليظهر بجلاء ما سبَّب حزنه العميق في ما يتعلق بالحب الجسدي والغياب الأسطوري للرغبة. ووفقاً للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، فإن الهرب من أهوال الحب متاح فقط للشجعان الحقيقيين وللإستثنائيين من البشر. لقد أدرك شوبنهاور درس الشيطان القائل بأن ليس للحياة سبب. مجرد خليط من الذرات التي تتشكل باستمرار وتتحول وتخور تبعاً لإرادة قوة غامضة لا تهتم بالبشر، «كذلك أيكون من العبث أن نجمد الكائنات لتصير أشياء للحب، أي نجعلها مناسبة للمعاناة». ويــرى فـــريـــدريك نــيـــتشه أن «الإخصاء» للعواطف الذي ينادي به كل «ديناصورات الأخلاق» وفق نيتشه، عمل إجرامي لمن لا يمتلكون ما يكفي من الإرادة ليفرضوا معياراً لرغباتهم ولا يتوصلون إلى التسامي بها إلى أن تكون رغبة في الإبتكار أو المعرفة. ومن بين قصص الحب التي يعرض لها الكتاب والتي يصعب الكشف عن ماهيتها الحقيقية، العلاقة التي جمعت بين سيمون دو بوفوار وسارتر، وتكشف «الجنس الثاني» – دراسة فكرية مهمة ظهرت في عام 1947 وأحد أهم الأعمال التي تحدثت عن النسوية العالمية عن فكر سيمون دو بوفوار، عن الحب تلك الكلمة، «التي لا تحمل المعنى ذاته عند الجنسين»، فثمة فارق راديكالي كان قائماً وسيظل ربما للأبد، فالنساء ليسوا كالرجال في العلاقة الإيروتيكية في نظر دو بوفوار.

مشاركة :