«بريكــس» أمل في عالم متعدد الأقطاب

  • 8/27/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تفرض مجموعة من المتغيرات المتسارعة نفسها على الاقتصاد العالمي، في ظل احتدام المنافسة بين عدد من القوى الكبرى، ونشاط المحور الرافض لعالم «القطب الأوحد»، وهيمنة الدولار على المعاملات الدولية، في ضوء حالة الاصطفاف ضمن محاور مختلفة، وتكتلات سياسية واقتصادية، آخذة في التوسع، من بينها: مجموعة «بريكس»، التي دعت خلال قمتها الأخيرة ست دول للانضمام إلى عضويتها في التكتل، بينها ثلاث دول عربية (الإمارات، ومصر، والسعودية)، جنباً إلى جنب مع الأرجنتين، وإثيوبيا، وإيران. تكتلات متنافسة في هذا السياق، يصرح أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، الدكتور رضا الشكندالي، لـ«البيان»، إن هناك تنافساً على المستوى الدولي بين مجموعتين رئيستين، الأولى: تقليدية بقيادة الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، المستفيدة من الوضع القائم (فيما يخص هيمنة الدولار)، والثانية: دول تعمل على كسر سيطرة الدولار على المعاملات التجارية الدولية (داعمة لعالم متعدد الأطراف). في سياق سعي هذه الدول إلى تحقيق الشراكة المتوازنة مع جميع الأطراف، فإن ثمة استحساناً من طرف بعض الدول العربية للمجموعة التي تحاول الخروج من هيمنة الدولار على مستوى الاقتصاد العالمي، لاسيما أن تلك الهيمنة تسبب العديد من الإشكاليات، خاصة بالنسبة لقطاع النفط «البترودولار»، فضلاً عن تسبب ذلك في تصاعد أزمة التضخم المستورد تبعاً للارتباط بالدولار الأمريكي، بحسب الشكندالي. كما ينوّه الأكاديمي التونسي بأن هناك مصلحة لدول عربية للموازنة بين الكتلتين، والحفاظ على العلاقات التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة، مع تعزيز التعاون مع الكتلة المناوئة (بزعامة روسيا والصين). علاقات متوازنة الاحتفاظ بعلاقات متوازنة والانخراط بشكل إيجابي مع تلك التكتلات الاقتصادية، من شأنه إحداث توازنات دولية تستفيد منها الدول العربية بشكل أو بآخر، ولا يعتقد الشكندالي بأن سعي البلاد العربية نحو تطوير علاقاتها مع التكتلات، والأطراف، والدول المناوئة لأوروبا والولايات المتحدة، من شأنه أن يؤثر على علاقة العرب بتلك القوى الرئيسة، ذلك أنه من حق الدول العربية تنويع شراكاتها مع دول وتكتلات مغايرة، تقدم لها فرصاً اقتصادية موازية، مثل مجموعة «بريكس». «اقتصاد المستقبل» تبعاً لذلك، فإن واحدة من محددات «اقتصاد المستقبل» تتمثل في مدى القدرة على الانفتاح على الأطراف المتصارعة، وتحقيق التوازن الاستراتيجي في العلاقات، بما يخدم المصالح الوطنية للدول العربية، بهدف اقتناص ما توفره تلك العلاقات من فرص على المستويات كافة، لاسيما في ظل حاجة تلك المحاور المتنافسة إلى تعزيز علاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لما لديها من إمكانات وفرص بديلة. لقد عبّرت تبعات الحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة بشكل واضح عما تمثله دول المنطقة كبديل استراتيجي اندفعت إليه أوروبا للبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي، بعدما أدركت خطورة الارتهان إلى موسكو في توفير الطاقة. وعليه، فإن الدول العربية مؤهلة لاقتناص المزيد من الفرص وشغل مكانة أوسع في ضوء التفاعلات الاقتصادية الدولية الجديدة. شراكات اقتصادية وتترجم العديد من الأطراف العربية هذا التوجه الخاص بتنويع الشراكات الاستراتيجية المتوازنة مع المحاور المختلفة، وهو ما يتجلى بوضوح من خلال الاتفاقات والمشروعات المشتركة مع التكتل الغربي، وكذلك الاستثمارات والمشروعات الخاصة بالصين على سبيل المثال. ويضرب الشكندالي في هذا السياق، الجزائر كمثال، فبينما ترتبط مع أوروبا باتفاقات مهمة على مستوى تصدير الغاز الطبيعي المسال، فإنها في الوقت نفسه قدمت نفسها للانخراط في «بريكس» بقيادة روسيا والصين، وكذلك الحال بالنسبة لدول عربية مختلفة تسعى لعلاقات متوازنة مع تلك الأطراف. تسهم هذه الرؤية المتوازنة في العلاقات الدولية في تعزيز الاقتصاد الوطني، بما يحقق استقراراً اقتصادياً للدول العربية، عبر تنويع المصادر، والأسواق، وتعزيز القدرات التصنيعية، والتصديرية، ودعم التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي. في خطٍ متوازٍ مع المشروعات العربية-العربية الطموحة، والجهود الرامية إلى رفع درجات التنسيق العربي على مختلف الصعد. انخراط ويصرح أستاذ التمويل والاستثمار بالقاهرة، الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، لـ«البيان»، إنه مع الدور الفاعل، والمؤثر، للتكتلات الاقتصادية المختلفة، وانخراط الدول العربية في عدد منها، فإن الرهان الأساسي على تكتل عربي حقيقي، وفاعل، في موازاة تلك التكتلات الغربية، لاسيما في ضوء المشتركات التاريخية، والثقافية، بين الدول العربية وبعضها البعض، بما يمكن العرب الحصول على مردود أكبر من خلال تلك التكتلات. ويضيف بدرة أنه إذا كان العرب قادرين على مشاركة بعضهم البعض من خلال تكتل عربي واضح، في وجود التكتلات الأخرى، والعلاقات الاقتصادية مع الأطراف المختلفة، فستكون هناك قيمة مضافة حقيقية أفضل من أن يعمل كل عضو في المنظومة العربية منفرداً ضمن التكتلات الأخرى، موضحاً أن ثمة تقارباً عربياً-عربياً، سمته تغليب المصالح المشتركة في الوقت الحالي، والمطلوب في المرحلة المقبلة المزيد من ذلك التقارب على نحو واسع، بما يقوي الموقف العربي عموماً في العلاقات الاقتصادية الدولية والتكتلات المختلفة. ومع أهمية الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، يعتقد بدرة بأن الأولوية دائماً ما يتعين أن تكون للعلاقات العربية-العربية، لجهة الوصول إلى الاكتفاء العربي الذاتي في كثير من الصعد، وتقليص الاعتماد (في الصادرات المختلفة) على الخارج، باستثناء التكنولوجيات الحديثة وخلافه، بما يعزز موقف الدول العربية، حال عملت ككيان واحد متكامل. إمكانات كبيرة وينوّه بدرة إلى ما تتمتع به كل دولة عربية من إمكانات، تمكنها من التكامل مع بقية المنظومة العربية، للوصول إلى هدف الاكتفاء الذاتي، بالتالي تقليص فاتورة الاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات الأساسية، لا سيما فيما يتعلق بالغذاء، بما يقوي موقف الدول العربية، ويفتح لها آفاقاً أوسع، للاستفادة من علاقاتها الخارجية، ومعالجة اختلالات الميزان التجاري. كما يساعد تحقيق التوازن في العلاقات التجارية على ذلك النحو، دعم الاقتصادات الوطنية، ورفع قدرتها التنافسية، بحيث يمكن لكل دولة عربية، زيادة صادراتها وتقليل فاتورة الواردات، ما يؤدي إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتوفير فرص عمل جديدة، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي، فضلاً عن تنويع مصادر الدخل، وتحسين التوازن التجاري. ولتطوير علاقاتهم مع التكتلات الاقتصادية المختلفة والمحاور الدولية، يمكن للعرب اتخاذ عدة إجراءات، من أبرزها التوسع في الاتفاقات التجارية مع التكتلات الاقتصادية والدول الأخرى، ويمكن أن تشمل هذه الاتفاقيات تخفيض الرسوم الجمركية، وتسهيل حركة البضائع والخدمات، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري. الاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك الاستثمار الأجنبي المباشر، وما يتطلبه من العمل على توفير بيئة استثمارية ملائمة، بما في ذلك تطوير السياسات والقوانين الاستثمارية الشفافة والمشجعة، وتوفير المزيد من المنشآت والمرافق الاقتصادية والتجارية المتطورة، وكذلك تحسين مناخ الأعمال وتقديم حوافز ومزايا للمستثمرين الأجانب. وهو ما يلفت إليه أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «كاليفورنيا الجنوبية»، جوناثان أرونسون، خلال حديثه لـ«البيان»، إذ يرى أن نجاح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حجز مكان مؤثر على الساحة الاقتصادية الدولية، يتطلب «زيادة فرص جذب الاستثمارات المختلفة الإقليمية والدولية، فضلاً عن استقطاب الخبرات، علاوة على العوامل الداخلية المرتبطة على سبيل المثال بالفساد». كما يشير في الوقت نفسه إلى إصلاحات هيكلية مطلوبة لتطوير هذا التوجه، من بينها «تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على الثروة النفطية في بعض البلدان»، وإيلاء الاهتمام الكافي لـ«الاقتصاد الرقمي» لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي اللازم لبلوغ أهداف التنمية المستدامة، جنباً إلى جنب وخطوات أخرى مرتبطة بتأهيل الكوادر البشرية في سياق إشارته إلى «البناء على الفرص التعليمية المتاحة للرجال والنساء من جميع طبقات المجتمع». وفي تصور أرونسون، فإن الصين هي المستفيد الرئيس من السياسة العربية المرتبطة بالاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف، في إشارة إلى ما حققته بكين من تقدم واسع في علاقاتها مع العديد من البلدان العربية، بينما يعتقد بأن روسيا أقل احتمالاً أو أقل استفادة. نقاط مشتركة ومن الجزائر، ينوّه مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية، الدكتور حمزة بوغادي، في تصريحات لـ«البيان»، إلى أن ثمة نقاطاً جوهرية مشتركة تحرك ذلك التوجه، أهمها الرغبة في الحصول على فرص اقتصادية حقيقية تعزز جهود بناء اقتصاد مُنتج ومتنوع. ويعتقد بوغادي بأن الفرصة مع «بريكس» أقوى من التحالفات التي يسيطر عليها الغرب، مردفاً «الدول الغربية ربما تُصعب من أي اندماج اقتصادي حقيقي». ويلفت إلى أن «بريكس» هو تحالف المستقبل، بالنظر إلى أن الدول الأعضاء تمثل أكثر من 40 % مـن سكان كوكب الأرض، كما أن «بريكس» تتخطى الأرقام القياسية لمجموعة السبع من حيث نسبة المشاركة بالاقتصاد الدولي بنسبة 31.5 % لصالح بريكس، مقابل 30.7 %  للدول السبع الصناعية الكبرى. ولا يعتقد بوغادي بأن حرص الدول العربية على توازن علاقاتها والانضمام في الوقت نفسه إلى مثل هذا التكتل من شأنه الإضرار بعلاقاتها مع المحاور الأخرى، مشدداً على أن الدول العربية تبحث عن مصالح اقتصادية بحتة وليست الأهداف السياسية هي التي تدفعها للانضمام.  خطوة تقدمية دراماتيكية وقال الأكاديمي الأمريكي، أستاذ العلاقات الدولية في كلية «هاميلتون» في نيويورك، آلان كفروني، في تصريحات لـ«البيان»، إن توسع مجموعة «بريكس» يمثل خطوة تقدمية دراماتيكية نحو التعددية القطبية، التي حفزتها بالتأكيد الحرب في أوكرانيا، التي أدت إلى مزيد من الاستقطاب بين مجموعة السبع وجزء كبير من الجنوب العالمي. فيما عكست قائمة الدول التي تمت دعوتها للانضمام للمجموعة بداية من يناير المقبل اهتمام المجموعة الواسع بدول منطقة الشرق الأوسط على وجه خاص، يشير كفروني إلى أنه «من الواضح أن ذلك التوسع يمثل انتصاراً لروسيا، وربما أكثر من ذلك بالنسبة للصين»، موضحاً أن «جميع دول الشرق الأوسط تتمتع بعلاقات تجارية واستثمارية واسعة النطاق مع كلا البلدين». ويدعم ذلك تعزيز علاقات موسكو وبكين في منطقة الشرق الأوسط، بما يوفر فرص تعاون أوسع للبلدين في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية.   وأفاد كفروني بأن انضمام دول من منطقة الشرق الأوسط للتكتل من شأنه أن يعزز الدور الاقتصادي والسياسي المتنامي للصين بشكل خاص في هذه المنطقة بصورة كبيرة، لاسيما بعد وساطة بكين في استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، علاوة على العلاقات الاقتصادية والسياسية الوثيقة التي تجمع الصين مع كل من الإمارات ومصر. وأوضح الأكاديمي الأمريكي، أن الانضمام يعني أن تكتل «بريكس» الموسع سوف يؤدي إلى تقليل القوى الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط (يهدد النفوذ الأمريكي في المنطقة لمصلحة حيز أوسع من العلاقات تشغله روسيا والصين مع دول المنطقة سواء على الصعيد الثنائي أو المتعدد وعبر ما يتيحه تكتل «بريكس» من مزايا وفرص). لكنه في الوقت نفسه، أشار إلى أنه «رغم أن مجموعة بريكس الموسعة سوف تشكل بالتأكيد منافساً قوياً لمجموعة السبع، فإن هذا لا يعني أن الكتلة ستعمل في انسجام تام»، وذلك بالنظر إلى بعض الملفات الخلافية بين بعض الدول الأعضاء وحالة عدم الوفاق حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية. ولفت أستاذ العلاقات الدولية في كلية «هاملتون» في نيويورك، إلى أن كلاً من روسيا والصين تنظران إلى مجموعة «بريكس» باعتبارها وسيلة للتحدي الجيوسياسي والجيواقتصادي لتفوق الولايات المتحدة ومجموعة السبع (وتسعيان إلى كسر هيمنة الدولار على الاقتصاد الدولي، في ظل الدعوة لنظام متعدد الأقطاب)، فيما تتنصل البرازيل صراحة من هذه النية، حيث تعتبر التكتل وسيلة لتحقيق اقتصاد عالمي أكثر شمولاً، وذلك لدى حديثه عن جانب من الخلافات حول الأهداف الرئيسة للتكتل بالنسبة للدول الأعضاء المؤسسين. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :