«بريكس» والطريق إلى عالم متعدد الأقطاب

  • 8/30/2023
  • 02:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تشكلت‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬السبع‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬والمستشار‭ ‬الألماني‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬لمناقشة‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬البترول‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬بها‭ ‬الوقف‭ ‬الجزئي‭ ‬لتصدير‭ ‬النفط‭ ‬أثناء‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬ولفقدان‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬سعر‭ ‬ثابت‭ ‬لتبادل‭ ‬العملات،‭ ‬وللاتفاق‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هاتين‭ ‬المعضلتين‭.‬ الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬عام‭ ‬1975‭ ‬وجمع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬واليابان،‭ ‬انضمت‭ ‬إليه‭ ‬كندا‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬اجتماع‭ ‬سنوي‭ ‬يعرف‭ ‬باجتماع‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬السبع‭.‬ لكن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬همها‭ ‬الأساس‭ ‬حماية‭ ‬اقتصاداتها‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬البترول‭ ‬وتقلب‭ ‬أسعار‭ ‬الدولار‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬تكتل‭ ‬أمني‭ ‬وسياسي،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬غرابة؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ (‬ما‭ ‬عدا‭ ‬اليابان‭) ‬وأنظمتها‭ ‬السياسية‭ ‬متشابهة،‭ ‬ولهذا‭ ‬عملت‭ ‬معاً‭ ‬على‭ ‬إفشال‭ ‬الغزو‭ ‬السوفيتي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬وعلى‭ ‬تصعيد‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وتمزقه‭ ‬إلى‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬دولة‭.‬ في‭ ‬المقابل‭ ‬تشكلت‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬دعت‭ ‬إليه‭ ‬روسيا‭ ‬وانضمت‭ ‬إليه‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬والبرازيل؛‭ ‬لمناقشة‭ ‬آليات‭ ‬مواجهة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬ولتنسيق‭ ‬جهودها‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭. ‬المجموعة‭ ‬انضمت‭ ‬إليها‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تعرف‭ ‬بعدها‭ ‬بدول‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬،‭ ‬الاسم‭ ‬بريكس‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬الأول‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬اختراع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإنجليزي‭ ‬جيم‭ ‬أونيل،‭ ‬الذي‭ ‬لاحظ‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬والهندي‭ ‬والروسي‭ ‬والبرازيلي‭ ‬ينمو‭ ‬بشكل‭ ‬متسارع‭ ‬وسيصبح‭ ‬منافسا‭ ‬لاقتصاد‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬مُطلقا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬اسم‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭.‬ على‭ ‬عكس‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬السبع‭ ‬المنسجمة‭ ‬سياسياً‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬بحكم‭ ‬تشابه‭ ‬أنظمتها‭ ‬السياسية،‭ ‬دول‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬متباينة‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يجمعها‭ ‬هو‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬الاحتكار‭ ‬الغربي‭ ‬للنظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يحكمه‭ ‬الآن‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بالدولار‭ ‬ونظام‭ ‬سويفت‭ ‬للحوالات‭ ‬المالية‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬للإقراض‭ ‬المالي‭.‬ هذه‭ ‬الدول‭ ‬تشعر‭ ‬بغبن‭ ‬شديد‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تمثيلها‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭.‬ الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مثلا‭ ‬لها‭ ‬16.41‭ ‬صوتاً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬البنك،‭ ‬بينما‭ ‬الصين‭ ‬لها‭ ‬2‭.‬79‭ ‬صوت،‭ ‬وبينما‭ ‬فرنسا‭ ‬لها‭ ‬4‭.‬31‭ ‬أصوات،‭ ‬روسيا‭ ‬والسعودية‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬نفس‭ ‬وزن‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬التصويت،‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬يجعل‭ ‬كل‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬والحال‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.‬ إن‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬الـ«بريكس‮»‬‭ ‬تظهر‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬فرصة‭ ‬كبيرة‭ ‬لتغيير‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬التباينات‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭.‬ في‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬كانت‭ ‬حصة‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬السبع‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ (‬مقاسا‭ ‬بقيمته‭ ‬كقوة‭ ‬شرائية‭) ‬44.9%،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬حصة‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬16‭.‬9%،‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬حصة‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬32‭.‬1%‭ ‬بينما‭ ‬انخفضت‭ ‬حصة‭ ‬مجموعة‭ ‬السبع‭ ‬إلى‭ ‬29‭.‬9%،‭ ‬وهذا‭ ‬الفارق‭ ‬سيتعاظم‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2028‭ ‬بست‭ ‬نقاط‭ ‬تقريباً‭ ‬وفقاً‭ ‬لحسابات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭. ‬اليوم‭ ‬خطت‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬سعيها‭ ‬لكسر‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موافقتها‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬عضويتها‭ ‬لتشمل‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬ومصر‭ ‬وإيران‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬والأرجنتين‭.‬ لاحظوا‭ ‬أن‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬الآن‭ (‬روسيا‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وإيران‭) ‬تمتلك‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭.‬ بهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬عززت‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬أهميتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭.‬ لكن‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬ترجمة‭ ‬ذلك‭ ‬عملياً‭ ‬سيكون‭ ‬عليها‭ ‬خلق‭ ‬مؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬موازية‭ ‬لتلك‭ ‬الموجودة‭ ‬حاليا‭ ‬التي‭ ‬يهمين‭ ‬الغرب‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬ونقصد‭ ‬بذلك‭ ‬نظام‭ ‬تحويلات‭ ‬مالية‭ ‬موازيا‭ ‬لنظام‭ ‬سويفت‭ ‬يسمح‭ ‬بالتبادل‭ ‬بالعملات‭ ‬المحلية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الدولار‭ (‬أو‭ ‬إيجاد‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬مثل‭ ‬اليورو‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭).‬ الخبر‭ ‬الجيد‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬لديها‭ ‬صندوق‭ ‬مالي‭ ‬للإقراض‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬الجديد‭ ‬برأسمال‭ ‬يفوق‭ ‬المائة‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬ومقره‭ ‬الصين،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬فإن‭ ‬رأسمال‭ ‬هذا‭ ‬البنك‭ ‬سيرتفع‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة‭.‬ لكن‭ ‬التعامل‭ ‬بالعملات‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬وخلق‭ ‬نظام‭ ‬للحوالات‭ ‬المالية‭ ‬كبديل‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬سويفت‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مفاوضات‭ ‬معقدة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجموعة،‭ ‬وهذا‭ ‬سيستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭.‬ كما‭ ‬أن‭ ‬تحويل‭ ‬قوة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬سياسية‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفاهم‭ ‬أكبر‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬مثلا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتصادم‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬أهم‭ ‬الشركاء‭ ‬التجاريين‭ ‬للصين‭ ‬مثلاً‭ ‬هم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وليس‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الهند‭.‬ كذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬توحيد‭ ‬الرؤى‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬الخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬الموجودة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬دولها‭. ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬اشتباك‭ ‬عسكري‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جبال‭ ‬الهيمالايا‭.‬ ‭ ‬قيام‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬بتوسيع‭ ‬عضويتها‭ ‬إذن‭ ‬هو‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬إنشاء‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬لكن‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬طويلا‭ ‬أمام‭ ‬تجسيد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬ {‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭.‬

مشاركة :