قبل أيام، انتقل إلى رحمة الله الصديق العزيز وابن العم، الدكتور حمد العبد العزيز النعيم. زميل العمل قبل الدراسة وزميل سنوات دراسة المتوسط لاحقًا، له علي بعد الله فضل كبير، فهو الذي أشار علي بمواصلة الدراسة النهارية، بتوجيه خاص لكلانا من حبيب الجميع، أستاذنا وقدوتنا وأحد رموز المسيرة التعليمية والثقافية في عنيزة، عبد الله العلي النعيم، أطال الله في عمره على عمل صالح يرضي وجهه، معالي أمين مدينة الرياض سابقًا. وتعود أصول أسرة النعيم في عنيزة إلى الخويطر الخالدية، فهم أبناء عم. قبل ما يقارب خمسة وسبعين عامًا، كان قد سافر أبو عبد العزيز رحمه الله وحده من عنيزة إلى الأحساء وعمره في حدود الخامسة عشرة وعمل هناك موظفًا في مكتب المالية. وانتقل بعد بضع سنوات إلى المالية في الدمام. وكنت حينها أشغل وظيفة متواضعة في أمانة الجمارك في الدمام. وكان مستوانا التعليمي في ذلك الوقت رابع ابتدائي، أوائل الخمسينيات الميلادية. كنت في شبابي متشوّقًا لمواصلة التعليم، وأنتظر الفرصة المناسبة. بعد ثلاث سنوات من العمل الوظيفي في الجمارك، طرأ على بالي الحصول على الشهادة الابتدائية، نظام المنازل، الذي كان يسمح به النظام آنذاك. فعرضت الموضوع على بعض زملاء العمل، ومن ضمنهم حمد النعيم. فرحبوا بالفكرة. وبعضهم حتى الآن يشكر لي المبادرة. تقدمنا للاختبار ونجحنا، وذهب كل منا في شأنه، لإكمال مراحل التعليم. أنا عدت إلى عنيزة وتزوجت، عام 1955، وكانت نيتي العودة إلى الدمام لشغل وظيفة كان راتبها خمس مئة وثلاثين ريالاً، وأواصل الدراسة في المدارس الليلية. وقبل السفر بأيام، اتصل بي حمد، عليه رحمة الله وأخبرني عن صدور قرار جديد من وزارة المعارف صرف مبلغ مئة وخمسين ريالاً شهريًّا لكل طالب في المتوسط والثانوي، تشجيعًا لهم لمواصلة الدراسة. وينصحني رحمه الله بتغيير برنامجي والالتحاق بالدراسة النهارية، أكثر ضمانًا، والاكتفاء بالدخل البسيط مدة الدراسة. وكان هو على اتصال مباشر بأبي علي عبد الله النعيم الذي كان حينها يدير شؤون ثانوية عنيزة وأستاذًا فيها. وبعد تفكير عميق، قبلت مشورته وتزاملنا في المدرسة لبضع سنوات، افترقنا بعدها لنلتقي بعد ما يقارب العشر سنوات في مصيف في عنيزة، وكنت في إجازة من عملي في أرامكو. فأخبرني أنه التحق بالملحقية التعليمية في أمريكا وأن بناته حينها على أبواب الجامعة وهو يواصل دراسة الدكتوراه، تخصص مورد بشرية. وكنت واثقًا أن ذلك لم يكن أمرًا سهلاً ولا الطريق مفروشًا له بالورود! ولكنه الإصرار والطموح وبذل اقصى جهد من أجل الوصول إلى هدفه رحمه الله. فلم يكن يعرف المستحيل. كنت أحسب أنني طموح، ووجدت حمد النعيم أبلغ طموحًا مني! وبعد إنهاء دراسة الدكتوراه، انضم مدرّسًا في جامعة الملك سعود في الرياض حتى سن التقاعد. تفرغ بعدها لأنشطة مجتمعية، بعضها يخص أسرة النعيم الكريمة. كان رحمه الله نعم الصديق، طيب المعشر، بشوشًا، صبورًا، مرحًا، يقبل التحدي ويحاول التغلب على مصاعب الحياة. تغمده الله بواسع رحمته.
مشاركة :