جمال زقوت يكتب: نشأة وواقع الحركة النسوية.. التحديات والفرص

  • 8/28/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أن تراجع دور الحركة الوطنية الفلسطينية قد ألقى بظلاله على مجمل مكونات وبنى المجتمع الفلسطيني وفئاته الاجتماعية المختلفة، كما أدى الانقسام، وما ولده من غياب المساءلة والهيمنة على الموارد المحدودة لشعبنا، وسوء استخدامها وإدارتها، إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية وتفشي الفساد والفقر والبطالة والمحسوبية، الأمر الذي فاقم من الأعباء وأشكال التمييز التي تعاني منها النساء، بالإضافة إلى الشباب، حيث كانتا من الفئات الأكثر تضررًا جراء هذا التدهور على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، سيما لجهة إقصائهما من المشاركة السياسية ومن عملية صنع القرار.   في مقالي السابق توقفت بعجالة أمام واقع الشباب والدور الذي يمكن أن يلعبه هذا القطاع الحيوي في عملية التغيير الديموقراطي، والدفاع عن المصير الوطني، ومتطلبات بناء حركة وطنية بسمات جديدة وقيادة شابة تفتح آفاقًا لاستكمال التحرر الوطني والبناء الديمقراطي وفق خصائص المرحلة الراهنة التي تشهد تغيّرات هائلة على الصعيدين الإقليمي والدولي والمخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية، والحقوق الوطنية لشعبنا.   غنيٌّ عن القول وإعادة التأكيد على مدى أهمية الدور الحيوي والتاريخي الذي لعبته المرأة الفلسطينية على مدار سنوات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ ما قبل النكبة وحتى الآن. فقد كان للحركة النسوية دور بارز منذ عام 1920، عندما اجتاحت فلسطين موجات النضال الوطني، حيث عمت المدن الكبرى بما فيها القدس، وباقي البلدات والقرى، مظاهرات كبرى بتاريخ 27 شباط/ فبراير 1920، شارك فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيات والفلسطينيين، تعبيرًا عن رفضهم الانتداب البريطاني والأطماع الصهيونية في أرض فلسطين .   وقد بادرت النساء في عهد الانتداب إلى تشكيل العديد من الجمعيات النسوية، كما نُظّم مؤتمر نسوي في القدس عام 1929 لتوحيد الجهد النسوي، شاركت فيه 200 إمرأة، وصدرت عنه قرارات عديدة أسست لمتطلبات النهوض بواقع المرأة، وتم تأسيس الاتحاد النسائي عام 1930، الذي يُعدّ خطوةً مهمةً في توحيد واستنهاض الحركة النسوية في فلسطين .   على أثر النكبة واستيلاء الحركة الصهيونية على 78% من أرض فلسطين، تمكنت الحركة النسوية في قطاع غزة، والجمعيات النسوية الثلاث الموجودة فيه، من توحيد جهودها تحت اسم جمعية الاتحاد النسائي عام 1964، ومن ثم تأسس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بإشراف منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965، في مؤتمر القدس، والذي ساهم في تنظيم نضالات النساء الفلسطينيات وتوحيد نضالاتهن على الصعيدين الوطني والاجتماعي .   إلا أن الحركة النسوية الفلسطينية شهدت نقلة نوعية غير مسبوقة إبان الانتفاضة الكبرى ديسمبر عام 1987، حيث سبق ذلك أن تمكنت النساء في فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من بناء حركة نسوية جماهيرية منظمة، ففي العام 1978 تأسست لجان العمل النسائي الفلسطيني “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”، ثم في العام 1989 تأسس اتحاد لجان المرأة الفلسطينية “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” تلى ذلك في العام 1981 تأسيس كل من اتحاد لجان المرأة للعمل الاجتماعي “حركة فتح”، واتحاد لجان المرأة العاملة الفلسطينية “الحزب الشيوعي الفلسطيني”، حيث لعبت هذه الأطر والمنظمات الجماهيرية النسوية وشبكة مؤسساتها الاجتماعية دورًا أساسيًّا بارزًا ليس فقط في النضال الاجتماعي بأبعاده المختلفة في مواجهة سياسات القمع والعقاب الجماعي التي مارستها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بل ولعبت دورًا في قيادة دفَّة الانتفاضة ذاتها، كما يبرز هذا الدور العظيم فيلم “نائلة والانتفاضة” للمخرجة البرازيلية من أصول لبنانية جوليا باشا. فالحركة النسوية الفلسطينية كما الحركات الجماهيرية للقطاعات الأخرى “الطلاب والعمال والمهنيين” نشأت معظمها من رحم النضال الوطني في مواجهة الأطماع الاستعمارية الصهيونية منذ نكبة 1948، وبعد استكمال احتلال فلسطين خلال عدوان 1967، بل وقد ارتبط تميُّزها بسمات ديمقراطية، كلما شهد هذا النضال نهوضًا وطنيًّا ضد الاحتلال واتسعت في إطاره أشكال المشاركة الشعبية، والعكس صحيح.   الأمر المهم الذي يجب أن يطرح على الرأي العام، وبات يستحق نقاشًا جديًّا، هو لماذا رغم اتساع نطاق تشكيل المؤسسات الأهلية النسوية منذ نشوء السلطة الوطنية، تشهد  الحركة النسوية وحقوق المرأة التي انتزعتها في نضالها الوطني ضد الاحتلال تراجعًا ملحوظًا؟!.. الأمر الذي يفرض على مجمل القوى الاجتماعية والوطنية التي تسعى للتغيير، وإعادة بناء وتجديد الحركة الوطنية، وتصويب بوصلة النضال الوطني ضد الاحتلال مع متطلبات البناء الديمقراطي الاجتماعي وجوهره تعزيز صمود الناس وقدرتهم على إلقاء ومواجهة مخططات التصفية، بأن تتوقف مليًّا أمام أسباب هذا التراجع وآفاق وسبل وأدوات إعادة استنهاضه في إطار رؤية وطنية واجتماعية بديلة لواقع الحركة الوطنية والجماهيرية الراهنة. وهذا ما سنحاول مناقشته في مقال لاحق للتدقيق في التحديات والفرص الماثلة أمام تحقيق ذلك  .

مشاركة :