جمال زقوت يكتب: الحركة النسوية بعد نشوء السلطة.. التحديات والفرص

  • 9/12/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أعطت الحركة الجماهيرية والمشاركة الشعبية الواسعة، التي تميزت بها الانتفاضة الكبرى (1987ـ 1993)، زخمًا ملموسًا للعمل النسوي، ورغم بعض مظاهر تراجع هذه المشاركة بما في ذلك النسوية منها في السنوات الأخيرة للانتفاضة، إلا أن الحركة النسوية بادرت بعد إجراء الانتخابات التشريعية الأولى إلى إطلاق حملة البرلمان الصوري التي امتدت خلال الأعوام (1996 ـ 1998)، واستهدفت بشكل أساسي تشكيل رأي عام حول حقوق المرأة ومكانتها في التشريعات الفلسطينية، والتي تتلخص في تكريس المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، وبهذا المعني فإن تلك الحملة التي سعت إلى إشراك المجتمع رجالاً ونساءً، وضعت قضية المرأة وحقوقها ليس فقط كقضية حقوق إنسان، بل اعتبرت أن قضايا المرأة هي جزء لا يتجزأ عن قضايا المجتمع وهويته الاجتماعية، سيما في ظل نشوء أول سلطة فلسطينية والملابسات السياسية التي رافقتها، والتي في بعض جوانبها طرحت سؤال الهوية الوطنية الجامعة ذاته، وليس فقط هوية المجتمع الذي ننشده .   إنجازات ودروس تجربة البرلمان الصوري العودة لتجربة البرلمان الصوري، والتدقيق في مضمونها ومجرياتها يظهر أحجام السلطة الناشئة عن مساندة جوهر الحملة الشعبية الحقوقية التي قادها البرلمان، كما يظهر بداية انكماش دور القوى السياسية، بما فيها الديمقراطية، وقصورها الجوهري عن الإسهام فى رسم توجهات وأسس السلطة الوطنية، وفي مقدمتها التشريعات حول مكانة المرأة وحقوقها. في مواجهة حملات القوى الرجعية ضد البرلمان الصوري والحركة النسوية، نأت قيادات في السلطة وبعض الأطراف الوطنية بنفسها عن التصدي لهذه الحملة، متخلية بذلك عن مضمونها الاجتماعي .   ما حققه البرلمان الصوري من إنجازات مهمة على صعيد مكانة المرأة في الرأي العام، وقضايا المواطنة والحقوق، وغيرها من إنجازات، وما بلورته مؤتمرات الحملة من استخلاصات إزاء كيفية معالجة النواقص والثغرات سرعان ما وضعت جانبًا مع اندلاع الانتفاضة الثانية، واستحواذ الأولوية للمهمات الوطنية مرة أخرى على حساب القضايا الاجتماعية، وكأن قدر قضايا المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، بما في ذلك بين المرأة والرجل، أن تبقى مؤجلة طالما الاحتلال الذي طال أمده قائمًا، أو أن إنصاف المرأة يتعارض مع التحرير وليس ركيزته الأساسية.   رغم إنشاء آلية لتنسيق العمل بين الأطر النسوية في أواسط الثمانينيات، والتي حاولت الاستجابة لشعار “نحو حركة نسوية موحدة”، إلا أن ذلك لم يضع حدًا لمعضلة التنافس الحزبي، واستمرار تغليبه على متطلبات التكامل في المهام المشتركة والقضايا الاجتماعية والحقوقية للنساء. فقد استمر في سياق ذلك التنافس، وإن بدرجة أقل تكرار الخدمات في المناطق التي كانت تشهد تنافسًا حزبيًّا عاليًا، وقد يكون ذلك محتملاً، إلا أن غير المحتمل أن يكون ذلك على حساب مناطق أخرى جرى إهمالها. ذلك يعود لغياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية التكاملية، وهو الأمر الذي لم يُحَل بإنشاء “طاقم شؤون المرأة” الذي وبدلاً من أن يقوم بهذا الدور لجهة وضع الاستراتيجيات العامة، فقد تحول تدريجيًّا إلى مؤسسة أخرى تقوم ببرامج تنفيذية. هذا بالاضافة إلى مزاحمة المؤسسات الرسمية لمؤسسات العمل الأهلي بما فيها النسوية، بعد أن أُجبرت الأطر النسوية الجماهيرية على ترسيم وتوفيق أوضاعها وفق قوانين العمل الأهلي وما احتوته من ثغرات ومحاولات وصاية، وما نجم عن ذلك كله إضعاف غير مسبوق للطابع الجماهيري لتلك الأطر.   و رغم إنشاء وزارة لشؤون المرأة في سنوات لاحقة، وصياغة خطط وطنية للنهوض بواقع المرأة، في سياق السعي لتكامل الجهد الرسمي والأهلي، إلا أن هذه المعضلة بقيت تطل برأسها، وفقًا لمزاجية القائمين على العمل الرسمي، ومدى إدراكهم لوظيفة الوزارة التوجيهية، ومتطلبات مساندتها للعمل الأهلي النسوي، حيث استمر التخبط في بلورة وتقديم إجابات عملية للحد من ظاهرة التنافسية والهيمنة الفئوية، والتي مع تراجع دور الأحزاب استبدلت بالتنافسية الفئوية على الخدمة التي تقدمها المؤسسات الأهلية، واقتصارها على مناطق محددة في مراكز المدن الرئيسية، على حساب إهمال المناطق التي كانت وما زالت أكثر احتياجًا لها، سيما تلك المهددة بالمصادرة والتوسع الاستيطاني والضم وتهجير أهلها من قبل سلطات الاحتلال .   التنافس وارتباك العلاقة بين الرسمي والأهلي في واقع الحال، ورغم اتساع انتشار المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن غياب خطة عامة تقوم على التكاملية والربط المُنَسّق بين الوطني والاجتماعي، وتوحيد الرؤية الوطنية إزاء قضية التمويل، بدلاً من التنافسية في التجاوب مع شروط المانحين، الأمر الذي أعاق من قدرة العديد من المؤسسات على القيام بواجباتها، والتي باتت أولوياتها الحفاظ على مجرد بقائها، وضمان موازناتها للوفاء برواتب موظفيها، سيما في ظل مزاحمة المؤسسات الرسمية لها، وفي ظل اندثار الطابع التطوعي في معظم أنشطة العمل الأهلي.   ما العمل لاستعادة دور الحركة النسوية ؟ معالجة واقع الحركة النسوية ومؤسساتها الحقوقية والخدماتية، لا يمكن أن يتم بمعزل عن وضع تلك المعالجة في إطار متطلبات معالجة واقع الحركة الوطنية ودورها شبه المتلاشي. وفي هذا السياق تبرز سلسلة من الأسئلة التي تكاد تكون وجودية وأبرزها كيف يمكن التأثير على سياسات الممولين إزاء تلبية احتياجات تنفيذ خطط المنظمات الأهلية بشكل عام والنسوية منها، وفق متطلبات الربط في المهام الاجتماعية والوطنية بالمعنى الواسع، سيما إزاء قضايا التنمية المجتمعية، وبما يشمل المناطق المهددة بالاستيطان والضم والمصادرة، ومخيمات اللاجئين التي تتعرض لتقليص غير مسبوق في خدمات الأونروا، وما يحمله ذلك من شبهة محاولات تصفية قضية اللاجئين. والسؤال الثاني هو: هل يمكن معالجة واقع المؤسسات النسوية بمعزل عن إعادة تنظيم الحاضنة الجماهيرية للحركة النسوية، وهل يعقل أن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ما زال يعتمد سياسة الكوتا الحزبية في التنسيب، وليس الانتساب المفتوح لعضويته، رغم التراجع المريع لدور الأحزاب، وما زالت أبواب هذا الاتحاد مغلقة أمام المؤسسات والقيادات النسوية المستقلة؟.. هل آن الأوان لبلورة أشكال تنسيقية للمؤسسات النسوية لمنع ازدواجية الخدمات وتعظيم قضايا الدعم والمناصرة الحقوقية، وديمومتها بعيدًا عن ردات الفعل والموسمية السائدة ؟ وأخيرًا وربما الأهم: هل آن الأوان لتأسيس اتحاد أو تجمع نسوي ديمقراطي مستقل بعيدًا عن الهيمنة الفئوية، ويضم في صفوفه المؤسسات والكفاءات النسوية، ويفتح باب العضوية لجميع النساء، بما في ذلك المنتميات لأحزاب أو مجموعات وحراكات سياسية واجتماعية، وفق رؤية ديمقراطية جامعة تلبي حقوق المرأة وتنهض بالدفاع الجدي عن قضاياها وما تتعرض له من محاولات الانقضاض على مكانتها الحقوقية والإنسانية، والحملات المسعورة التي تحاول تشويه وعزل النضال النسوي، وما يتطلبه ذلك من بلورة استراتيجية عمل تربط الاجتماعي بالوطني، ويشكل رافعة للعمل النسوي؛ كفيلة باستنهاض الاتحاد العام للمرأة واستنهاض دوره من ناحية، ويشكل في نفس الوقت قاعدة جماهيرية نسوية عريضة للبديل الوطني الديمقراطي؛ قاطرة التغيير المنشودة من ناحية أخرى؟ هذه الأسئلة وغيرها ما يجب أن تشغل الرأي العام في المجتمع والحركة النسوية التي تعاني من ظلم الاحتلال والقوى الرجعية من ناحية، ومتروكة تكابد هذا الظلم وحيدة في معظم الأحيان. حقوق المرأة مسؤولية كل المجتمع، ولكنها لن تتقدم دون أن تبادر قيادات ومؤسسات الحركة النسوية، ومعها النخب الثقافية والمجتمعية التقدمية لمناقشة جريئة لمجمل هذه القضايا، بهدف إعادة بناء وانتشار حركتها في سياق رؤية شاملة للتغيير الديمقراطي المطلوب .

مشاركة :