التفاوت الملحوظ بين أقطار العالم العربي من حيث الاهتمام بالتعليم والثقافة ورعاية المواطن يختزله البعض في التفاوت الاقتصادي والفارق بين معدلات ومتوسط الدخل بين هذا البلد أو ذاك، والواقع ليس كذلك، فالمال يمكن تبديده بلا أي مردود حضاري، كما أن الفقر يمكن الحد من تفاقمه إذا توفرت الإرادة والإدارة معاً، ففي غياب الوعي يتحول الفائض إلى مديونيات والعكس صحيح أيضاً. والأقطار العربية التي انحازت إلى مواطنيها ولم تتحول إلى ظاهرة صوتية، حصدت ما زرعت، ولم يكن الحصاد هشيماً شأن من استغرقوا في أحلام اليقظة، وتوقعوا أن تمطر السماء ذهباً وفضة! إن المعادلة قدر تعلقها بالتقدم والتأخر ليست معقدة، فمن فكر في دنياه كما لو أنه سيموت غداً، حكم على أحفاده بالفاقة والعوز والشقاء، شأن من قال ذات يوم ليأت من بعدي الطوفان، وحين جاء الطوفان بعثر عظامه وأغرق ذريته. وقد كان أمامنا باستمرار كعرب نموذجان في الإدارة، الأول ينتظر الأزمات حتى تتفاقم وتنفجر، والثاني يدرك أن إدارة الأزمة هي أساساً في محاولة إجهاضها وعدم السماح لها بالتنامي بمعزل عن رصده وحساباته الدقيقة. لكن نادراً ما تجرى مقارنات ميدانية للتدليل والبرهنة على أن التفاوت ليس اقتصادياً فقط، وذلك لأسباب هي على الأغلب سيكولوجية، لأن هناك نرجسيات تعاني من جراح نازفة، ويتم ترميمها بالكلام والشعارات والوعود الممنوعة من الصرف فقط! رغم أن الاحتكام إلى إحصاءات وتقارير ذات صلة بالتنمية بمختلف حقولها تعفي الباحث من الحرج، وما تنتهي إليه المجتمعات في العالم كله من شقاء أو رفاهية ليس نتيجة للنوايا أو الرغائب. وهنا نتذكر تلك الأمثولة التربوية التي تعلمناها في صبانا ومنذ لثغنا بالأبجدية. فمن كان يحمل أكياساً من الملح على ظهره عبر الماء فذاب الملح واستراح ومن كان يحمل الإسفنج ويسخر من صاحبه لأنه ينوء بحمولة الملح امتلأ إسفنجه بالماء! نحتاج لأسباب معرفية وتربوية وقومية وأيضاً إلى فحص هذا التفاوت لأنه يتعلق بالرؤى والمناهج والوعي أكثر مما يتعلق بالاقتصاد وحده!
مشاركة :