صدر حديثًا عن دار السرد للطباعة والنشر في بغداد شارع المتنبي بإدارة الأستاذ رياض داخل "نبض يراقص لهاث الأشرعة" و"بين الولادة والموت من يلملم رمادي" وهما ديوانا شعر للشاعر العراقي علاء سعود الدليمي. وكان تنضيد المجموعتين من قبل الأديبة الأستاذة فاطمة منصور وتصميم الغلاف من قبل الأستاذ فلاح العيساوي. وفي إجابة الشاعر لموقع "ميدل إيست أونلاين" عن سبب صدور ديوانين مزدوجين علّل الشاعر الدليمي ذلك قائلًا "الإبداع الذي ولد من رحم المعاناة والإحساس بالألم لم يكن وليد اللحظة، بل هو إبداع تراكمي لسنوات طويلة، وخلال تلك السنوات كانت النصوص في رفوف الانتظار، ولربّما طي النسيان بسبب الفقر المادي وجدب الحياة، فهل لك التخيّل بأن إنسان يعمل مدرّسًا بالمجان ولسنوات طويلة (محاضر مجاني)! لذلك لمّا سمحت الظروف وشاء الله لطباعة حروفنا المتواضعة كانت الولادة مزدوجة". وتضمّنت المجموعة الأولى "نبض يراقص لهاث الأشرعة" 108 صفحة، تشتمل على أربع وستين نصًا نثريًا وقد قدّمه الأديب الأستاذ عبدالستار نور علي، إذ قال في المقدّمة: بين ذاتٍ ومنفى تعيش سنبلة تفتّش عن مأوى بينما قلبي تلهو به دودة الأرض هذه "الومضة" الشعريّة مدخل لإضاءة عالم الشاعر علاء الدليمي: ضغط الصورة الشعريّة لتخرج بارقة بما يكتنزه خياله من خصب قادر على حصاده بلغة جماليّة، تشحن عين المتلقّي وذائقته فتهزّهما وتشبع حسّه الظمآن الباحث عمّا يثير نفسه حبا لقراءة نص يفتّش عنه، بين الكم الهائل من النصوص الشعريّة، ليطفئ ظمأه في ظلّ تناغمه مع رغبته. وفي رثائيّته للراحل إبراهيم الخياط "ليس سهلًا" خرج عن مألوف قصيدة (الرثاء) في ذكر محاسن المرثي والبكاء عليه والتعبير التقليدي عن مشاعره تجاهه، خرج ليعبّر عن عمق محبّته ومدى تأثير فقدان الراحل في نفسه بومضات مشعّة تقول الكثير في إهاب قليل: ذاتَ عيدٍ رتقَ الخياطُ يدي مررَّ أصابعهُ بلطفٍ ثم زينَ خدي بقبلةٍ هذه الومضة تبوح بتركيز شعري مختزل عن صفات الراحل الإنسانية العليّة: حب الناس ونبل الأخلاق والحضور الدائم. وقد وظّف شاعرنا لقب الفقيد "الخياط" كمهنة شريفة توصل المقطوع (رتقَ) فتخلق الموصول لتزين الرداء بوشي (قبلة)، والرداء المزيّن هنا هو الخلق الرفيع والعاطفة الصادقة، والقبلة قمّة المشاعر الطيبة الرقيقة الحميميّة… في المجموعة الثانية "بين الولادة والموت من يلملم رمادي" اثنتان وستون نصًا نثريًا تميّزت بالجمال والإبداع وهي تعبّر عن ذات الشاعر وأوجاعه التي فجّرت مكامن إبداعه الشعري والأبدي وقد تشرّفت هذه المجموعة بتضمينها إحدى قراءات الأديب الناقد ياسر العطيه لتكون مقدّمة لها، إذ قال فيها ص 7: "ميزة قصيدة النثر، عوالمها الشاسعة على مستويي الشكل والمضمون، وهذا لا يعني الانسلاخ التام عن مادّتي الشعر الأساسيّتين (اللغة وواقع الحياة المعاش)، لحظة الكتابة، إنّما: الاشتغال المعاصر، الجديد، على اللغة وتوظيفها مع الواقع والمؤثّرات الراهنتين، وكلّ ما يدخل في صيرورة الشاعر الثقافيّة والاجتماعيّة والفكريّة، ولهذه الأسباب وغيرها، يرى بعض النقاد: أنّ القصيدة الكلاسيكية، الوزنية، قد تكون أسهل - أحيانا - من قصيدة النثر، بسبب تلك الاختلافات التكوينية، وضغطها على الشعر والشاعر، فالشاعر علاء الدليمي - كأنموذج - في نصه "مناديل" نجده يكتب في سياق حياتي مفتوح - على الشعر - قبل كل شيء، أو دونهِ، معنيً بصناعة، وتوصيل "نص حرّ" يؤكّد حرية الشاعر وحرية المتلقّي"… هذا ونشير إلى أنّ علاء الدليمي كثيف الإنتاج والتفاعل من خلال المساهمات المتعدّدة في الصحف والمواقع الأدبيّة العراقيّة والعربيّة، ويكتب في إطار تيّار "السرديّة التعبيريّة" التي تبني المعنى صلب معادلة ثنائيّة الشعري الإيقاعي والسردي القصصي. هذا التوجّه الذي يؤسّس لفعل تجديدي ضمن مشهديّة النصّ الحرّ ككلّ.
مشاركة :