سعيد ياسين (القاهرة) شهد العديد من المدن والحواري والشوارع حضوراً كبيراً في العديد من الروايات العربية، منها ما جاء بمثابة توثيق ورصد لهذه الأماكن وما يدور فيها، وبين شخوصها وتأثيرها على من تناولوها بالكتابة، كما ظهر تأثر الكتُّاب بهذه الأماكن على جميع المستويات، حيث تفاعلوا معها وبها ولم تكن مجرد عناوين فقط. في البداية، قال الكاتب والأديب يوسف القعيد: إن هناك علاقة متينة بين الكاتب والمكان الذي ولد وعاش فيه، وكتاباتهم عن أحداث وشخصيات شاهدوها وعاصروها واحتكوا بها تكون أعمق وأغزر من التي سمعوا عنها، وإنه حرص على أن تتضمنها رواياته وقصصه حتى أدب الرحلات الذي كتبه «مفاكهة الخلان في رحلة اليابان»، أسلوبه القروي البسيط الذي استمده من مسقط رأسه وأهله وجيرانه في محافظة البحيرة (شمال القاهرة)، حيث حرص على بساطة الحكاية كما سمعها في قريته، وأن لا تكون لغزاً أو غامضة. أخبار ذات صلة فتحية النمر: الأدب توعية ورسالة لبث القيم الإنسانية الجميلة أعمال الوزاني.. لمسات طفولية تعانق الضوء تحولات تاريخية وحول رواياته عن الإسكندرية، قال الروائي إبراهيم عبدالمجيد: إن ثلاثيته تناولت المدينة وفقاً لثلاثة تحولات كبرى في التاريخ، ولم تكن عن أجيال، إنما عن مراحل تحول كبرى، يمكن أن تقرأ منفصلة أو كثلاثية، وأن الذي يهمه في تلك المسألة هو سرده الفكري لتلك التحولات، حيث تناولت روايته «لا أحد ينام في الإسكندرية» فترة الحرب العالمية الثانية، في وقت كانت الإسكندرية مدينة عالمية يعيش فيها كل الأجناس والمنتمين لكل الأديان، والأشهر في تلك الروح العالمية، وكان سؤاله في الرواية عن الحب بين الناس تحت وطأة الحرب، وكيف كانت العلاقات بينهم؟. وفي «طيور العنبر»، تحدث عن التحول بعد خروج الأجانب منها، أما رواية «الإسكندرية في غيمة» فرصد عبدالمجيد فيها المرحلة التي فقدت الروح العالمية والمصرية، وأوضح أن كتاباته لم تقتصر فقط على الإسكندرية، ولكنه كتب عن القاهرة «عتبات البهجة» و«في كل أسبوع يوم جمعة»، و«هنا القاهرة» التي كتبها لأصدقائه في القاهرة. وطن وهوية أما الروائية إيمان العمري، فقالت: إن للمكان تأثيراً كبيراً على أعمالها الأدبية، حيث يظهر قي أغلبها بشكل واضح ومحدد، ويلعب دوراً مهماً في الأحداث، لأنها لا تراه مجرد شارع أو مبنى، وإنما يعكس معاني كثيرة، أهمها الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عند الأبطال وما يتمتعون به من ماض عريق، وأشارت إلى أن التمسك بالمكان من وجهة نظرها هو البعد الرمزي للتمسك بالوطن والهوية، وهو ما ظهر في روايتها «القلب ينتصر دائماً». سطوة الروائي حسين عبدالرحيم الذي حضرت مدينة بورسعيد في أعماله، بجانب القاهرة، تساءل: من يسكن الآخر، نحن أم الأماكن؟، سؤال وجهته لنفسي كثيراً، وتوصلت بعد أكثر من أربعين عاماً من الكتابة، أن المكان له السطوة أينما وجدت الذاكرة اليقظة القادرة على حسم تلك الرجرجات التي لا تنتهي، وقد سكن الكثير من الثكنات والبلاد والنزل منذ ميلاده، وبذاكرته أيضاً، وفي المقابل سكنته بسطوة الدفع. أماكن في الروايات جاءت القاهرة وأحياؤها وشوارعها وحاراتها، في مقدمة الروايات التي ارتبطت بالأماكن، حيث تناولها أديب نوبل نجيب محفوظ في رواياته «خان الخليلي» و«زقاق المدق» و«بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية»، وكتب عن الإسكندرية رواية «ميرامار»، ومحمد جبريل رباعية بحري الشهيرة، وإبراهيم عبدالمجيد ثلاثية «لا أحد ينام في الإسكندرية» و«طيور العنبر» و«الإسكندرية في غيمة». كما صدرت روايات وثقت للمقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثي في بورسعيد، ومنها «الباب المفتوح» للطيفة الزيات، و«ليلة القبض على فاطمة» لسكينة فؤاد. علاقة متشابكة تقول الناقدة رنا أشرف: إن هناك علاقة متشابكة ووثيقة بين المبدع والمكان الذي يعيش فيه ومن ثم يكتب عنه، وضربت مثالاً بما حدث في روايات نجيب محفوظ التي ظهرت فيها الحارة سمة متكررة، كأنها تعادل العالم، جعلها هدفاً في رواياته، وجسد الكثير من معالم الشخصية المصرية بها وعاداته وتقاليده، ونقل من خلالها مشاكل الطبقة المتوسطة وهمومها وأحلامها، ما ظهر واضحاً في الثلاثية، وفي «زقاق المدق» التي صورت الحارة تصويراً أدبياً، وفي «اللص والكلاب» التي تناولت قصة حقيقية، وفي «الحرافيش» و«أولاد حارتنا». وتوقف الناقد أحمد شبلول عند «رباعية بحري» لمحمد جبريل، وقال: إن رباعية جبريل التي اتخذ من «أولياء» الإسكندرية عناوين لأجزائها الأربعة «أبو العباس» و«ياقوت العرش» و«البوصيري» و«علي تمراز» تخلد كاتبها، وتعقد مقارنات بينه وبين أعمال أخرى مهمة كتبت عن الإسكندرية، مثل: «رباعية الإسكندرية» للورانس داريل من الأجانب، وأعمال مصطفى نصر وسعيد بكر ومحمد الصاوي وعبدالفتاح رزق وإبراهيم عبدالمجيد وإدوار الخراط، وغيرهم من أدبائنا المصريين الذين اتخذوا من الإسكندرية مكاناً ومناخاً وشخصيات تؤدي دورها في حقب مختلفة من عمر المدينة الذي تجاوز الألفين وثلاث مئة عام. وأشار إلى أن جبريل خبر الحياة خبرة العارف بدقائق المكان وأسراره وعوالمه وربما أساطيره، وهو ما جعله يجول في عشرات الشوارع والأزقة والحواري، وأجلسنا على عشرات المقاهي في الكثير من الأحياء، وأدخلنا البيوت، فعرفنا من خلاله الكثير من أسرار العائلات السكندرية، في تلك الحقبة.
مشاركة :