منذ أن كتبت كتابي (كيف الصحة؟) وأنا أعتقد أن حلول مشكلة الصحة في البلد ليست أمرا صعبا ولا مستحيلا إذا ركزنا وراجعنا تجاربنا وطبقنا ما نملك من خطط وأفكار بشرط أن نكون واقعيين وأن نبتعد عن تشويش الشركات وعرابيها ومن يريدون أن يقفزوا فوق الناس والتاريخ ويزايدون على كل شيء. اليوم عندنا تحديان رئيسان، الأول: يخص المجتمع كسهولة الوصول والحصول على الخدمة دون أخطاء واحترام حقوقهم كمحتاجين للخدمة والحد من إصابتهم بالأمراض سواء مزمنة أو غير مزمنة، والتحدي الثاني: يختص بإدارة الموارد الصحية وما تعانيه من عجز في القوى البشرية وانخفاض مستوى الإنتاجية عن المعدلات العالمية، بالإضافة إلى المركزية والإدارة العميقة لنصل إلى عبء الخدمات الصحية على الدولة والهدر الناتج عن انخفاض أداء الأمور السابقة. طيب .. هل التحديات التي تواجهنا حلها بالتركيز على مصطلحات رنانة كالتحول والخصخصة والتأمين الصحي ونقعد نشغل أنفسنا بالدراسات ونترك الهرم الصحي مقلوباً ونتحول من تنفيذيين إلى مفكرين ومنظرين ونترك الحبل على الغارب وننتظر الحلول المليارية ومتى تطبق تلك الأمور على أرض الواقع وكأننا لا تاريخ لنا ولا تجارب ولا نعرف ما نريد ... أكيد طبعاً لا. اليوم على سبيل المثال لو أخذنا موضوع الخصخصة فهي في الحقيقة اسم على غير مسمى لأن الخصخصة العربية والخليجية بالذات تختلف في الآليات والفكر عما يحدث في أغلب دول العالم وما يمكن أن نسميه هنا خصخصة هو مجرد تحول في تغيير المسميات والهويات والشخصيات ومن مسمى وزارة إلى شركة حكومية، لأنك لن تستطيع أن تصدر قرارا بفصل أو تسريح موظف سعودي وانما ستقبله وتضطر فقط إلى تحويل خدماته من نظام الخدمة المدنية إلى نظام العمل، لأن هناك عقدا اجتماعيا أخلاقيا غير مكتوب بين الدولة والمجتمع، لذلك سيكون أغلب التحول تحولا شكليا. إذا نقطة الارتكاز ونجاح التحول والخصخصة هي العنصر البشري وليس أساليب وطرق التحول، فالجانب الاجتماعي والثقافي والسياسي للتعامل مع مجتمع رعوي ليصبح مجتمعا تقايضيا ومن مرحلة الوطنية إلى المواطنة كل هذه أمور أساسية وليست ثانوية في المجتمعين الخليجي والسعودي بالذات. وزارة الصحة قبل سبعة عشر عاماً وفي عهد الوزير شبكشي حاولت أن تخصص مدينة الملك فهد الطبية قبل تشغيلها بشراكة بين أحد البنوك والبنك الدولي، وكان الوزير آنذاك مُصرا على عدم تشغيلها من قبل الدولة بشكل كامل للتكلفة الباهظة للتشغيل، لكن لم يستطع تمرير مشروعه وعندما أتى الوزير المانع إلى الوزارة وفي أول أشهر من توليه أمر بتشغيل المدينة تشغيلا ذاتيا وما حدث أنها شغلت بطريقة غريبة وبتدرج ممل ما جعل المواطن يضغط على الوزارة للاستفادة من خدماتها على أنها مدينة طبية تقدم خدمات المستوى الثالث وربما الرابع، لكن في الحقيقة كانت اسما على غير مسمى كما هو الحال في أغلب المستشفيات التي تسمى تخصصية والموزعة في الشرقية والقصيم وغيرها، لكنها نمر من ورق. المهم يوم نفكر في خصخصة الخدمات المقدمة للمواطن سواء صحية أو غيرها يجب أخذ الحيطة والحذر والتأني والتدرج، وهناك تجارب شبه ناجحة وأخرى متعثرة وبعضها يمشي على رجل واحدة مثل شركة المياه الوطنية والاتصالات السعودية وبعض خدمات الخطوط السعودية والبريد السعودي ... الخ. المهم ألا نقع في فخ السعودة الوهمية وتصبح عندنا خصخصة وهمية قد لا تساهم في عبء الانفاق بالقدر المطلوب في القريب العاجل بقدر مساهمتها في تحريك المياه الراكدة في أسلوب الإدارة والإنتاجية، وقليل من المحاسبة والمركزية إذا اختير لها من القادة غير المستحوذين الذين يؤمنون بالصلاحيات واللامركزية والتفكير خارج الصندوق.
مشاركة :