منذ أن وضعت الحرب الفيتنامية أوزارها مطلع سبعينيات القرن الماضي بهزيمة الولايات المتحدة من فيتنام، هذه الدولة ضئيلة الحجم، لم تدخل أميركا حرباً بعد ذلك إلا في إطار تحالف يضم عدة دول بالرغم من قدراتها العسكرية المتطورة والمتقدمة، والقادرة على إدارة الحرب بما يسمح أن يؤدي ذلك إلى تغليب كفتها أمام أي قوة. وأدركت الدول بعد ذلك أن التحالفات العسكرية حتى في حالة تواضع قوات العدو تظل أمراً مطلوباً ومهماً من شأنه الإسهام في قيادة وإدارة العمليات العسكرية بما يفضي إلى تقليل الخسائر وتعظيم الأرباح. وخلال العقد المنصرم أصبحت كلمة "تحالف" رائجة بشكل كبير، وفي السنوات القليلة المنصرمة ومع تعاقب الأحداث والتغييرات التاريخية التي طرأت على المنطقة علت وتيرة الحديث عن تشكّل تحالفات وتبدل أخرى، لاسيما بعد مرحلة ما سمي ب"الربيع العربي" وما آلت إليه أحوال دول المنطقة، والاصطفافات التي ظهرت، وارتفاع حمى الوطيس الأيديولوجي والطائفي، وخلط الأوراق من مدخل الأزمة السورية والملف النووي الإيراني، وهي كلها معطيات كان ولا بد من مواجهتها والتعامل معها في ظل وضع معقد وشائك ليس في إطار إقليمي بحت بل أيضاً في مجال دولي هو الآخر يعيش أزمة قيادة وأجندات متداخلة، وهو أمر ينعكس حتماً على منطقتنا التي تعاني في الأساس من تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية يضيق المقال بذكرها. ويظل عقد التحالفات جزءاً أصيلاً في العقيدة السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية لكل دولة، فبينما تفضل دول التحالفات العسكرية على التحالفات الاقتصادية فهناك من يفضل العكس، فالتحالف السياسي بين دولتين دلالة على مصيرية وجودهما في حين ترى دول أخرى، أن إقامة تحالف يجمعها مع دولة أخرى يعني بالضرورة أنه موجه لدولة ما، وبالتالي تذهب إلى عقد شراكة استراتيجية لا تحالف، تحقق من خلاله مصالحها، فالمصطلح دقيق وحساس ولا يجب الاستهانة بإطلاقه دون وعي وإدراك لمغزاه. وتأخذ التحالفات سمة طول الأمد لكنها لا ترقى للديمومة، فلا أصدقاء دائمون في السياسة، ولا أعداء، والمتغيرات التي تفرضها القوى المؤثرة والدولية تسهم بلا شك في العبث بقواعد التحالفات بالنسبة للدول الاقل تأثيراً حتى وإن كانت قاعدة تحالفها صلبة، فقد تعصف بها تقلبات السياسة، لذا كان لا بد من وضع أي تحالف تحت اختبار الجدية والالتزام وإلا وجب إعادة النظر والتقييم.
مشاركة :