تعوّل الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة على الأكراد في خضمّ الحراك السياسي والعسكري الحاصل في المنطقة بوصفهم (أي الأكراد) كتلة تبدي تماسكاً وانسجاماً واضحاً؛ في وقت يعاني الشرق الأوسط مجتمعياً من حالة تفككية تاريخية.. فلطالما اعتبر إقليم كردستان وقوات البيشمركة استثناءً في التعامل والتعاطي مع القوى الغربية.. فمن جهة أرست دول أوروبية مشروعات تنموية وتعليمية كبيرة في الإقليم، ومن جهة أخرى دُعمت القوات الكردية بأسلحة نوعية واستشارات قيمة وتدريب ذي مستوى عالٍ، حتى إننا بالإمكان وصْف الإقليم بالابن المدلل للدول الغربية في المنطقة. خصوصية التعامل التي نالها الإقليم من القوى الكبرى فاقمت النزعة الاستقلالية المتجذّرة لدى الأكراد ورغبتهم في الانسلاخ من الجسد العراقي، وهو أمرٌ لا تخفي بغداد امتعاضها منه، لاسيما عندما حاولت حكومة الإقليم التعامل مع شركات النفط بشكل مباشر في معزل عن الحكومة المركزية.. والأمر يحدث كذلك بالنسبة لتسليح البيشمركة، إذ يحظى هذا الجيش التابع للإقليم بعناية دقيقة.. فالدول الغربية تنظر له باعتباره أكثر توافقاً وتماهياً وقتالية من القوات العراقية الرسمية التي وصفها وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بأنها تفتقد الرغبة في قتال "داعش"، وهو عكس ما أظهره الأكراد عندما انتصروا على "داعش" في كوباني. لكن هذه الكتلة التي وصفناها بالمتماسكة والمنسجمة تمر بأزمة حكم وصراع داخلي على السلطة تعيدنا إلى مشهد الصراع الأهلي الذي نشب مطلع التسعينيات بين الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي، فمنذ توقيع معاهدة السلام بين جلال طالباني ومسعود بارزاني عام 1998 التي وضعت حداً لحرب الثلاث سنوات أو حرب الإخوة كما يطلق عليها، ازدهر الإقليم واستقر سياسياً.. واليوم بعد حوالي 18 عاماً يبدو أنه أمام اختبار لقوة تماسكه ونضجه.. فأزمة رئاسة الإقليم التي تتنازعها أحزاب المعارضة من جهة والحزب الديموقراطي وزعيمه "بارزاني" من جهة أخرى، أدخلت الإقليم في أزمة حادة، ربما تستوجب تدخلاً غربياً وأميركياً على وجه الخصوص، إن هي بدت تنعكس سلباً على ملفات وأزمات المنطقة لاسيما الحرب على الإرهاب. فواشنطن اليوم على اتصال مباشر مع البيشمركة التي تصدت ل"داعش" غير مرة، ويعول عليها التحالف الدولي من أجل تحرير بعض المناطق، ويبدو أن التنظيم الإرهابي سيكون من أكثر المستفيدين من حالة الشقاق إن هي سادت وطغت على الساحة السياسية الكردية. كل من سورية وإيران وتركيا أيضاً مستفيدون من هذه الانتكاسة الخطيرة في المشهد الكردي، إذ سيقوّض ذلك من حركة الاحتجاجات الكردية في هذه البلدان، على الرغم من حالة عدم التوافق التي تسود بين حزب العمال الكردي والحزب الوطني الكردستاني على سبيل المثال، لكن بلا شك سينعكس الاختلاف في إقليم كردستان على الأكراد إقليمياً ويضعف من حالة الصعود والزخم التي حصلوا عليها خلال العقد الماضي. إذاً إقليم كردستان أمام محك خطير ومنعطف حرج، فهو مطالب من القوى الدولية من أجل إعادة رصّ صفوفه وعدم فقدان بوصلة اتجاهه، فهو ورقة مهمة وبيدق ثمين في الحركة التاريخية الحاصلة في المنطقة.
مشاركة :