فرضت محنة المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا نفسها كموضوع سياسي طاغ في مهرجان البندقية، المدينة المطلة نوافذها على البحر الأبيض المتوسط الذي أصبح مقبرة للآلاف من طالبي العيش على ضفته الشمالية. ودأب كبار السينمائيين الذين تتمحور أعمالهم عن الموضوعات الاجتماعية والسياسية على تناول مسائل الاندماج في المجتمعات الغربية وكراهية الأجانب، ومنهم مثلا الأخوان جان بيار ولوك داردين اللذان حاز شريطهما "توري أيه لوكيتا" جائزة في مهرجان كان عام 2022، والبريطاني كين لوتش الذي عرض فيلمه "ذي أولد أوك" هذا العام في كان أيضا. لكن لطرح الموضوع في البندقية بالذات دلالة مهمة، وسعى مخرج "جومورا" ماتيو جارون إلى التعريف بهؤلاء المهاجرين وإخراجهم من دائرة المجهولين من خلال فيلمه (آي "أنا، القبطان") المشارك في مسابقة مهرجان البندقية والطامح إلى الفوز بجائزة الأسد الذهبي. ويروي الفيلم القصة الملحمية لمراهقين سنغاليين هما سيدو (سيدو سار) وقريبه موسى (مصطفى فال) اللذان قررا ترك عائلتهما دون سابق إنذار ليجربا حظهما في أوروبا. وتفادى المخرج مقاربة الموضوع من زاوية البؤس، وركز في المقابل على الأخطار التي واجهت الشابين، كرحلتهما الطويلة والشاقة عبر الصحراء. وأوضح ماتيو جارون، أن الفيلم الذي لا يتناول الأسباب التي تدفع الشباب السنغاليين إلى مغادرة بلدانهم، يهدف إلى أن يكون مختلفا "عن المألوف". وشرح أن "الفكرة تتمثل في وضع الكاميرا على الجانب الآخر، أي في إفريقيا، وتوجيهها نحو أوروبا، لسرد رحلتهم وقبل كل شيء عيشها معهم". ولإنجاز هذا الفيلم، أجرى المخرج أبحاثا مكثفة، ولا سيما من خلال جمع شهادات من المهاجرين. وتنافس على الدب الذهبي في البندقية أيضا مخرجة أوروبية كبيرة أخرى هي البولندية أنييشكا هولاند بفيلمها "جرين بوردر". ودعت هولاند الأوروبيين إلى الكف عن "دفن رؤوسهم في الرمل" في مواجهة الوضع على حدودهم. وأوضحت السينمائية البالغة 74 عاما أن "الناس لا يريدون أن يروا ما يحدث على الحدود، ولهذا السبب أنجزت هذا الفيلم". ويعد فيلمها المصور بالأبيض والأسود، ومدته ساعتان ونصف ساعة، لوحة واضحة وصريحة عن وضع المهاجرين الآتين من سورية وأفغانستان وإفريقيا الذين تعرضوا للتقاذف.
مشاركة :