جلبت الهيمنة العسكرية الأمريكية طيلة العقود الماضية الفوضى والصراعات في كل أرجاء العالم ودهست حقوق الإنسان وانتهكت سيادة الدول الأخرى، بينما ألحقت الضرر بنفسها، حسبما قال خبراء. قال محمد عبد العظيم الشيمي، أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة حلوان في مصر، إن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل ودموي من التدخل العسكري والتوسع العسكري، ما تسبب في معاناة إنسانية هائلة وعدم استقرار في جميع بقاع العالم. وقال "يجب على الولايات المتحدة أن تغير أساليبها وتتبنى نهجا أكثر سلمية وتعاونا في السياسة الخارجية". وقال دميتري سوسلوف، نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة التابع للمدرسة العليا للاقتصاد بجامعة البحوث الوطنية في موسكو، إنه على عكس نظرية استقرار الهيمنة، فإن الهيمنة العسكرية الأمريكية لم تجلب السلام والاستقرار للعالم. وأوضح "على العكس من ذلك، اتسمت ما تسمى بالفترة أحادية القطب بانتهاكات القانون الدولي والتدخلات العسكرية غير القانونية". وفي حديثه عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قبل عامين، قال جلال بزوان، المحاضر في جامعة كاردان في كابول، إن ذلك أضر بسمعة أمريكا في العالم. كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها قوة عظمى قادرة على إبراز قوتها ونفوذها في جميع أنحاء العالم، إلا أن الانسحاب من أفغانستان أظهر أن الولايات المتحدة ليست دولة لا تقهر، ويمكن هزيمتها على يد خصوم حازمين، وفقا لما قال بزوان. وأضاف "هذا أسفر عن تراجع الثقة في الولايات المتحدة، وجعل من المتعذر عليها بناء تحالفات والحفاظ على نفوذها في العالم". وقال غابرييل ميرينو، الأستاذ المساعد في جامعة لا بلاتا الوطنية بالأرجنتين، "نمر بمرحلة انتقالية في النظام العالمي، مع تغييرات بالغة العمق". وأضاف "تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تستنسخ نمط تنمية القوى الغربية، وهو ما يجمع بين الرأسمالية والنزعة العسكرية والإمبريالية". أدلى الخبراء بهذه التصريحات عقب نشر معهد شينخوا، مركز بحوث تابع لوكالة أنباء ((شينخوا))، تقريرا يكشف الأضرار والتهديدات الناجمة عن مساعي الهيمنة الأمريكية. ونشر المعهد يوم الثلاثاء تقريرا بعنوان "أصول وحقائق ومخاطر الهيمنة العسكرية الأمريكية"، والذي من خلال تقديم الحقائق والبيانات، تتبعَ جذور الهيمنة العسكرية الأمريكية، واستكشف كيف سعت الولايات المتحدة إلى فرض هيمنتها العسكرية وحافظت عليها وأساءت استخدامها، وألقى الضوء على مخاطر ممارسات الهيمنة الأمريكية. كما عقد المعهد ندوة حضرها العديد من الخبراء إما شخصيا أو افتراضيا. وقال إجناسيو مارتينيز كورتيس، الباحث في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، "نرى كيف تعمل واشنطن، اليوم أكثر من أي وقت مضى، على تعزيز هذه الهيمنة العسكرية الحربية، ولذا نشيد بالتقرير الذي أعدته شينخوا حديثا في الجزء الذي يشير إلى النفقات العسكرية الحربية للولايات المتحدة، خاصة في مناطق نفوذ جديدة تحاول واشنطن السيطرة عليها بشكل متزايد". وقال "للإنفاق العسكري تأثير متزايد على دافعي الضرائب داخل الولايات المتحدة. وفي هذه المرحلة لدينا هذه المعضلة: الإنفاق العسكري الأمريكي آخذ في التزايد، ولكن في الداخل، أصبحت التنمية البشرية الأمريكية أضعف وأضعف". وقال التقرير إنه منذ عام 2001، شنت الولايات المتحدة حروبا وعمليات عسكرية في أكثر من 80 دولة حول العالم باسم "مكافحة الإرهاب"، والتي أدت بشكل مباشر إلى مقتل نحو 929 ألف شخص، بينهم 387 ألف مدني، وتشريد نحو 38 مليون شخص. وقال دينيس مونيني موانيكي، المدير التنفيذي للمركز الصيني-الإفريقي بمعهد السياسات الإفريقية، "أظهر لنا التاريخ أن الهيمنة بأي شكل من الأشكال ليست ضرورية أو كافية للنظام العالمي. وفي معظم الحالات، أدى السعي إلى الهيمنة أو السيطرة إلى عدم الاستقرار بين الحضارات". وقال التقرير إنه من المحتم أن تأتي الهيمنة العسكرية الأميركية بنتائج عكسية، مؤكدا أن "السعي لتحقيق الأمن المطلق والإقصاء السياسي والاحتواء العسكري... لن يساعد في إنشاء إطار أمني، بل سيؤدي إلى معضلة، بل وحتى اضطراب". وقال زيفادين يوفانوفيتش، رئيس منتدى بلغراد لعالم متساو، إن التقرير "له أهمية تاريخية". وقال "ليس لدي أدنى شك في أن هذه الوثيقة ستلعب دورا هاما في تعزيز التفاهم العالمي والتضامن وتنسيق الجهود نحو بناء نظام عالمي جديد متعدد المراكز، وأكثر عدلا وشمولا، وديمقراطي حقا".■
مشاركة :