أتمتة خطوط التجميع ليست بالشيء الجديد. لكن استخدام الروبوتات آخذ في الاتساع ليطرق أبواب مهن جديدة، منها الخدمات الصحية. فالأذرع الآلية التي أنتجتها شركة كيوكا الألمانية يمكنها فرز عينات الدم في الدنمارك وتعجيل فحوص كوفيد - 19 في الجمهورية التشيكية، ومزج كواشف المواد لفحص المسحات بسرعة أكبر ودقة أعلى مما يستطيع أن يفعله الإنسان. ويستخدم مختبر الكيمياء في جامعة ليفربول آلة مشابهة في تنفيذ مزيد من الخطوات. وبالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، استطاع بنجامين بيرجر، وهو باحث حاصل على درجة الدكتوراه، أن يبرمج الآلة لتجري اختبارات علمية بنفسها، من خلال مزج عينات وتحليل نتائجها. ويمكن لهذه الآلة أن تعمل 22 ساعة يوميا وقد أجرت ذات مرة أكثر من 600 فحص خال ثمانية أيام. ويقول بيرجر إن الآلة تكمل عمله. وذكر في مقابلة مع قناة بي بي سي أن "الآلة بإمكانها أن تفحص آلاف العينات.. وهي بالتالي تتيح لي الوقت للتركيز على الابتكار ومحاولة التوصل إلى حلول جديدة". وتساعد الآلة بيرجر كذلك على الحفاظ على التباعد الاجتماعي، كما أنها سمحت للعالم بمواصلة إجراء تجاربه في فترة الحجر الصحي. ولكنها ربما تسببت في الاستغناء عن مساعد أو أكثر في المختبر. وهدف حماية العاملين من القيام بأعمال متكررة أو شاقة له ما يبرره في حالة واحدة وهي إذا كان في استطاعتهم إيجاد عمل آخر يقومون به. فهل يمكنهم ذلك؟ هل هناك مجالات يعيش العاملون فيها في مأمن من المنافسة؟ نعم: المهن المختصة، التي تتطلب الذكاء الاجتماعي والتفاعل وجها لوجه. فخلال الفترة بين عامي 1980 و2012، وصل معدل نمو حصة هذه الوظائف إلى 12 في المائة من القوى العاملة في الولايات المتحدة. وذلك على الأقل حتى تفشي كوفيد - 19. وذكر ساسكايند، في مقابلة عبر الفيديو مع مجلة "التمويل والتنمية" من أكسفورد، أن "الوظائف التي تحتاج إلى درجة عالية من التفاعل الاجتماعي أقل عرضة للأتمتة وهي تماما الأشد تعرضا لأخطار الجائحة". ثم أضاف "كثير من السيناريوهات الواردة في الكتاب التي ربما بدت غريبة منذ خمسة أشهر ماضية أصبحت الآن هي الوضع السائد تماما". إن بعض المهن المختصة التي تعتمد بوضوح على التفاعل وجها لوجه استطاعت أن تعيد ترتيب عملها بسرعة معتمدة على التكنولوجيا. فالانتشار الهائل للتطبيب من بعد مثال جيد على سرعة الحركة. ولكنه كذلك مثال على أن هذه العملية قد تترك البعض خلف الركب. فعقد الاجتماعات عن طريق الفيديو بدلا من زيارة الطبيب ظل خيارا متاحا لأعوام. ولكن في المملكة المتحدة، لم تكن مواعيد زيارة الأطباء الممارسين العامين من بعد تتجاوز 1 في المائة قبل الجائحة. وبعد تفشي الجائحة، ارتفعت هذه النسبة ارتفاعا حادا حتى بلغت 90 في المائة. وفي الولايات المتحدة، ذكرت إحدى شركات التأمين الصحي أن المواعيد عبر شبكة الإنترنت قفزت من عشرة آلاف زيارة في الشهر قبل الجائحة إلى 230 ألف زيارة في أبريل الماضي ـ في ولاية واحدة لا أكثر. لم يكن هذا الانتشار الهائل يحتاج إلى ابتكارات تكنولوجية رائدة. فالرعاية الصحية من بعد يمكن أن تكون بسيطة كأي اتصال عبر تطبيق سكايب. وسهلت التكنولوجيا تغير السلوك الذي دفعت إليه الجائحة بقوة كبيرة. ولأغراض سامة، تخلى المرضى والأطباء عن عادات قديمة وشكوك استمرت فترات طويلة. وساعد على ذلك التغييرات التنظيمية أخيرا. ففي الولايات المتحدة، سمح للأطباء بتحصيل فواتير المواعيد عبر الإنترنت بالطريقة المتبعة نفسها في حالة الزيارات الشخصية. ولم يعد المرضى يضطرون إلى الوجود في منشأة صحية لعقد مقابلة من بعد. رغم نجاح هذه التجربة جيدا بالنسبة للأطباء والمرضى على حد سواء، فربما خلف هذا التحول بعض الضحايا وراءه. فممارسة الطب عبر الإنترنت ستحتاج على الأرجح إلى عدد أقل من الممرضين وموظفي الاستقبال والفنيين والمديرين.
مشاركة :