تغيير الثقافة الذي دفعت إليه الجائحة من المرجح أن يلقى سهولة توفير الوسائل التكنولوجية المتاحة في كثير من المجالات، ومن المحتمل أن يفضي إلى عواقب خطيرة على الوظائف. فالتجارة الإلكترونية لا تحتاج إلى تكنولوجيا الروبوت العالم. وتزايد الشراء عبر الإنترنت في حد ذاته يضر ببائعي التجزئة في المحال التقليدية. ويستطيع العاملون عن بعد أن يحصلوا على الكافيين الذي يتوقون لاحتسائه عن طريق شراء كبسولات نسبريسو عبر الإنترنت بدلا من ارتياد محال أنيقة، لكنها ربما كانت خاوية. وبالفعل، ذكرت شركة نستله أخيرا أن الطلب على كبسولات القهوة عبر الإنترنت ارتفع أخيرا بنسبة 30 في المائة في ظل الجائحة. السؤال هنا: هل انتهى دور المكاتب؟ ما دامت جائحة كوفيد - 19 لا تزال تهدد العالم، فلا يمكن أن نحكم ما إذا كان يشهد تغيرا حقيقيا في ثقافته أم أن ذلك مجرد نجاح في التكيف مع الحالة الطارئة. وكما نعلم، فإن التجربة العالمية للعمل عن بعد دفعت كثيرين نحو بداية نهاية العمل في المكاتب. لكن التقارير عن نهايته تماما ربما كانت فيها مغالاة. والتكنولوجيا التي تعتبر بمنزلة إنقاذ للحياة اليوم ظلت موجودة لأعوام دون أن تتسبب في خروج جماعي. وبينما هناك كثير من المنافع المحتملة ـ كمرونة ساعات العمل، وتراجع وقت التنقل، وإمكانية العمل من أي مكان، وقدرة الشركات على تعيين موظفين في أي مكان ـ يتعين إجراء تقييم كامل للعواقب طويلة المدى للعمل عن بعد. وأحد المخاطر الواضحة هو الأمن المعلوماتي، فوصل مزيد من المستخدمين بشبكات منزلية غير محمية يزيد ما يطلق عليه سطح الهجوم المتاح للقراصنة الإلكترونيين. وإن كان من الصعب تقدير التأثير الواقع على المدن ومناطق المكاتب، وكذلك على الفنادق والمطاعم والمحال والخدمات الأخرى، إلا أنه ربما كان ذا دلالة. يعتقد برينجولفسون، الذي عين أخيرا في منصب مدير مختبر الاقتصاد الرقمي في جامعة ستانفورد، أن التغير سيدوم بشكل أكبر كما يتوقع التوسع في الاستفادة من تعلم الآلة. وقال في ندوة عقدت أخيرا "إن السؤال هو: أي مجالات الاقتصاد هي التي ستكون الأكثر (أو) الأقل تأثرا؟". وبدون التوصل إلى علاج أو لقاح فعال، يمكن للجائحة أن تؤدي إلى زيادة الأتمتة بسبب التباعد الاجتماعي وسعي الشركات إلى مزيد من الصلابة. فزيادة أتمتة خطوط التجميع أقل عرضة لمخاطر تفشي الجائحة. وذكر ساسكايند في مقابلته مع مجلة "التمويل والتنمية" أنه "في المملكة المتحدة، أدت تدخلات الحكومة لحماية العاملين إلى كبح الحافز على الأتمتة"، وأضاف "ومتى انتهت هذه الحماية، فقد يعود الحافز وينطلق من جديد". لقد حافظت التكنولوجيا على حركة العالم، لكنها عمقت كذلك كثيرا من خطوط التصدع، كالتعليم والدخل وأنواع الوظائف. وحل هذه المعضلة معقد. فستدعى الحكومات إلى زيادة الإنفاق على المدى القصير ـ لمساعدة الشركات في الحفاظ على موظفيها الحاليين، والتوسع في التدريب، وتسهيل إعادة التعيين ـ وعلى المدى الطويل، خاصة للاستثمار في التعليم وتوسيع إمكانات الحصول على خدمة الإنترنت. إنها مهمة شاقة حتى على الاقتصادات المتقدمة، لكنها كذلك بصفة خاصة على الاقتصادات الصاعدة التي لا تزال تكافح لتوفير الاحتياجات الأساسية. وربما جاء الحل من صلب المشكلة. ويجب على الدول، سواء المتقدمة أو النامية، أن تستخدم التكنولوجيا بما يحقق لها المنفعة، ويجب على الحكومات أن تضع احتواء كل فئات المجتمع ضمن أولوياتها. وتقول إيرا دابلا ـ نوريس، وهي المؤلف الرئيس للدراسة التي تناولت إمكانية العمل عن بعد، في حوار مع مجلة "التمويل والتنمية"، "إن الابتكار يمكن أن يحقق نموا جديدا وأن يزيد الإنتاجية". وتضيف بقولها "الرقمنة تعيد تشكيل كثير من الأنشطة، ويمكن أن تساعد العاملين والشركات على التكيف مع هذا العالم الجديد. والحل هو تحقيق الاحتواء الرقمي ثم ترجمته إلى احتواء اقتصادي".
مشاركة :