مشاري محمد يكتب لـ”درة” | العدالة من زاوية أخرى

  • 9/11/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كلنا نعرف مصطلح “العدالة” ولكن تختلف رؤيتنا لها وتختلف تفسيراتنا أيضاً لهذا المصطلح فمنا من يرى أن العدالة تتحقق بالمسواة ومنا من لايهتم بالعدالة إلا عندما تكون له حقوق حيث يصبح أكبر مطالب ومنادي بالعدالة وهناك من يرى أن العدالة كلمة مُبالغٌ فيها. ولكن الأكيد أن العدالة أسمى غايات البشرية في تعاملاتهم ، وهي الفيصل في الحكم على الشخص إن كان ذو أخلاقٍ أم يفتقر إليها، إذا وُضِع في موضع يختبر عدالته دون أن يكون مُراقب أو خاضع للسؤال عن هذا الموقف، مثلاً عند نقد هذا الشخص للأشخاص الآخرين يمكن أن تقاس عدالته من خلال السؤال التالي،ماذا لو وُجه هذا النقد للناقد هل سيكون مُرحباً به ؟ أو عندما يُسدي هذا الشخص نصيحةً لشخصٍ آخر ، هل سيكون الناصح مسروراً بهذه النصيحة لو ووجهت له ؟ وفي هذه الأمثلة نرى أن المساواة في بعض الأحيان قد تحقق العدالة . ولكن أيها السادة الأكيد أن العدالة ليست مشروطة بالمساواة، فقد خلق الله في أيدينا خمسة أصابع ولم يجعلها متساوية، وقد جعل منا الفقير ومنا الغني وهو العدل سبحانه تعالى أن يظلم، فقد قسم الأرزاق بين عباده بعدل وإنصاف وإن لم تكن متساوية. ولكن نبقى نحن كمجتمع نسعى لتحقيق العدالة بيننا عن طريق القانون والعرف وأتِّباعنا للشريعة الإسلامية فالناس لن يستطيعوا تحقيق أقصى حدٍ ممكن للعدالة إن استغنوا عن توجيهات الشريعة الإسلامية، فقد كتبوا القوانين في سابق العصور وإن لم تكن بصورتها اليوم واتبعوا العرف ولكن لم تخلو يوماً من الفوضى، إلى أن أرسل الله تعالى نبيه ليتمم مكارم الأخلاق ويحكم بين الناسِ بالعدل، وقد اجتهدت البشرية بعد النبي ﷺ من أجل أن تسير على خطاه في العدل حتى من لم يؤمن به، فيقول المؤرخون أن قانون نابليون الصادر عام 1804 والمعمول به في فرنسا إلى يومنا هذا قد استوحى مُعظمه من كتاب “مختصر خليل في فقه الإمام مالك بن أنس” . ومع اجتهاد البشر ومحاولاتهم للوصول للعدالة إلّا أن العدالة المطلقة ليست متاحة، فللعقل والقدرات البشرية حدود، فقد يكون الشخص صاحب حق ولكن ليس لديه ما يثبت، ففي هذه الحالة قد لا يكون تحقق له العدل ولكن هذا ليس عيباً في نظام العدالة ، بل إنه من سُبل عدالة البشر كي لا يدّعي أي شخصٍ على الآخرين من دون وجه حق وتعّم الفوضى فقد سعى الخلق لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من العدالة. فعدالة البشر كما قلنا محدودة وإن رأيناها قريبة للكمال، وإن كان قد وضّح لنا الله ونبيه عليه السلام طُرق تحقيقها ولكن كما أسلفنا فإن العقل البشري قاصر محدود فمهما سعينا لابد أن نضع بعض القواعد التي من شأنها الإضرار بحقوق القليل للحفاظ على أكبر قدر من العدالة لأكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، وهذا الضرر غير مقصود من واضع هذه القواعد، لذا نسأل الله أن يُلهمنا الصواب وأن لا يجعلنا ممن ظَلمَ أو ظُلِم.

مشاركة :