كيف نفسر ما يحصل على الشاشة؟ وبماذا نصف تخصيص برامج توك شو وحجز الهواء من قبل بعض المذيعين، لتصفية حسابات شخصية مع أطراف آخرين، ولأجل مصالح ذاتية ضيقة؟ دعونا من الذهول والاستغراب، فهؤلاء المتحكمين بالكثير من القنوات المصرية، أوصلونا إلى مرحلة قتل علامات الاستفهام والتعجب والاكتفاء بالمشاهدة وانتظار الأسوأ دائماً. من منحدر إلى انزلاق، إلى هوة وأسفل السافلين.. هبطوا فهبطت معهم البرامج والقنوات، وصار التوك شو كلام بلا سقف، وحرية يتم فهمها واستخدامها خطأ. برامج تحولت إلى مملكة المذيع الأوحد، مسجلة باسمه، يتحكم فيها كيفما يشاء، يستضيف أعداء أعدائه ليقدم معهم وصلات من الردح والألفاظ الرخيصة، يشهر سيفه في حلبته الخاصة ويبارز الجميع، مهدداً متوعداً، يصرخ، بل إن كلمة صراخ لم تعد تصل إلى حدود ذلك المشهد البهلواني الذي نراه على الشاشة، قفز وتنطيط وإيماءات وشتم بكل معنى الكلام وبلا توووووت ولا رقيب. سيرك؟ لا، ففي السيرك كل يؤدي دوره من مهرج إلى بهلوان إلى ساحر، وأنت تذهب إليهم وتدفع المال خصيصاً من أجل التفرج عليهم وهم يؤدون أدوارهم بمهارة عالية. أما في الفضائيات المصرية التي نتحدث عنها اليوم، فأنت لا تشتري الهواء من أجل أن تشاهد وصلات كلام بذيء وشتائم وتهديدات بين مذيع ومسؤول، وبين مذيع ولاعب كرة قدم.. أنت لا تشاهد القاهرة اليوم مثلاً من أجل الاطمئنان على مصالح عمرو أديب الشخصية، وأحواله المالية، وعلاقاته وصداقاته ونزاعاته مع من يشاء من الناس. أنت المشاهد الطبيعي، لا تفتح جهاز التلفزيون من باب الفضول والنميمة، وسعياً خلف مشاكل مرتضى منصور وتهديداته لأي كان، وقضية ميدو ونادي الزمالك، وبطولات عكاشة الكاذبة. اتهام من هنا، ورد فوري بالتهديد والشتم من هناك. ألفاظ من عيار الكلب المسعور ولو كنت راجل، وأعلّقك على باب الاستوديو.. ومصطلحات لا يجوز أساساً أن تكون موجودة على الشاشة. كل ما يحصل وتحديداً في معركة مرتضى منصور وعمرو أديب هو استغلال للشعب بكافة الطرق المتاحة، سواء عبر التلفزيون ومن قبل المذيع من جهة والذي دوره بالأساس نقل آراء الناس والتحدث عنهم ولهم، وتمثيلهم أمام المسؤولين، ومن قبل نائب من جهة أخرى يستخدم البرلمان وصفته كممثل للشعب فيه، لتصفية الحسابات الشخصية، وجمع توقيعات الزملاء النواب من أجل الانتقام من المذيع. هذا يسخر الهواء وكل شهرته من أجل محاربة خصمه أياً كان، وذاك يسخر كل معارفه والمذيعين الذين يمون عليهم لاستضافته والرد بالمثل وأكثر. عذراً أيتها الشاشة المصرية، لم نكن نتخيل يوماً أننا سنغض بصرنا وأبصار أولادنا عنك، هرباً من كم البذاءة المنتشر، ورفضاً للفوضى الأخلاقية وغياب المهنية الإعلامية. عذراً، لأننا لم نعد نستطيع مشاهدة هذه المهازل والعض على الجرح، فالدماء تنزف كثيراً، وطعمها مرّ مرّ. عذراً يا حبيبة طفولتنا، ويا رفيقة صبانا، ويا عشقنا وسهر ليالينا، ويا ضي القمر الذي رافقنا طويلاً، فالوحوش التي تنهش لحمك لا تتوقف عن هتك براءتك وتمزيق ثوبك وتشويه كل صورك الجميلة. عذراً ليلى رستم، همت مصطفى، نجوى إبراهيم، سلمى الشماع، أبلة فضيلة، طارق حبيب، سلوى حجازي.. وعذراً صلاح جاهين وأحمد طاهر وفؤاد المهندس ونيللي وشريهان.. لم يعد للذاكرة مكان على شاشة اليوم، فالصورة مشوشة والبث يكاد يكون مقطوعاً بين التلفزيون الذي عرفناه معكم وتلفزيون اليوم أياً كان اسمه ومموله، فهو يمثل مصر أمام ملايين المشاهدين، ويدخل بيوت الفلاحين والبسطاء والمساكين والأغنياء والمثقفين. قبل سنوات ليست بالبعيدة، كانت القنوات اللبنانية هي النموذج الذي يُضرب به المثل عند الحديث عن تفصيل البرامج على مقاسات أصحاب القنوات وميولهم السياسية، والشاشة التي تعكس الصورة الحقيقية للتفسخ في البرلمان وبين الأحزاب، ولكل حزب أو طرف قناته، ولكل قناة نشرة أخبار تنشر فيها الطرف الآخر (أي تشتم وتكيل).. لا حياد ولا موضوعية في كثير من الأوقات وعلى معظم القنوات. اليوم لم تعد الشاشة اللبنانية في الصدارة، بعد أن نافستها أغلبية القنوات المصرية وأزاحتها لتحل مكانها على عرش التفسخ الإعلامي، وزادت من الجرعة فسبقتها في وصلات الردح والشتم وأصبحت تلك القنوات أشبه ب مزارع مرئية. مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :