ارتفاع الأسعار يثقل كاهل التونسيين وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة

  • 9/18/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يتردد في إحدى مكتبات العاصمة التونسية السؤال “هل يوجد كراس مدعم؟” لأكثر من مرة من قبل الأهالي، الذين يبحثون عن هذا الصنف ليخففوا من عبء مصاريف اقتناء اللوازم المدرسية، في بلد يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة. تتزامن العودة المدرسية هذا العام مع ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية لم تشهده البلاد سلفا. تقلب جميلة ساسي “40 عاما” وهي أم لطفلين في المستوى الابتدائي وتعمل موظفة في شركة خاصة، بين المحفظات المعروضة في المكتبة بحثا عن واحدة يكون ثمنها مناسبا لميزانيتها، لكن دون جدوى. تقول لـ”الفرنسية”، وملامح الحيرة بادية على وجهها “كان القرار مع زوجي أن نلغي مصاريف العطلة الصيفية والاصطياف ونخصصها لشراء مستلزمات العودة المدرسية.. وكما تشاهدون الأسعار نار”. تنتظر دورها للوقوف في صف طويل لاقتناء كراس مدعم، وتقول “الظاهر أنه يجب التوجه إلى السوق الموازية، لأجد الأسعار التي أبحث عنها”. تطرح السلطات التونسية نوعية من الكراريس يطلق عليها اسم “الصنف المدعم” وتباع بأقل من دينارين “نحو 0.6 يورو” مقارنة بثمن الكراريس الرفيعة النوعية التي يناهز سعرها ثلاث مرات المدعمة، وغالبا ما تشتريها العائلات ذات الدخل الضعيف. إلى ذلك، لم يعد الأولياء قادرين على سداد تكلفة دراسة أبنائهم في المدارس الخاصة، لارتفاع أسعارها. ذلك على غرار إسماعيل بن إدريس “41 عاما”، وهو مهندس حاسوب قرر نقل ابنه من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية، لأنه “لم يعد قادرا على دفع أربعة آلاف دينار (نحو 1200 يورو) مصاريف طوال العام”. الكراس .. الزيت والسميد تمثل العودة المدرسية لعديد العائلات “كابوسا” بعد تواصل “المواسم الاستهلاكية” من مناسبات الأعياد والعطلة الصيفية وصولا إلى العودة المدرسية، ويضطر عديد من الأولياء إلى الاستدانة لمواجهة ارتفاع الأسعار. يقول لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك “سجلنا ارتفاعا ما بين 15 و18 في المائة في تكلفة مستلزمات العودة المدرسية مقارنة بالعام الماضي”. في ركن آخر من المكتبة يقف بلقاسم الطرابلسي مع زوجته بين رفوف الكتب والأقلام، عله يجد بدوره أسعارا لا تثقل كاهل جيبه. يقول بلقاسم الطرابلسي “50 عاما” وهو أب لأربعة أطفال “بالنسبة إلي ارتفعت الأسعار بين 20 و30 في المائة مقارنة بالعام الماضي، والكراس المدعم مفقود، ولا يوجد.. العودة المدرسية تتطلب جيوبا مليئة بالنقود”. ويضيف “نبحث عن كل المواد المدعمة، الكراس والسميد والزيت، وكل ما هو مدعوم من الدولة مفقود”. ادخر بلقاسم مالا خلال فصل الصيف ويعول على المساعدة المالية التي تقدمها له شركة النقل الحكومية، حيث يعمل ليستطيع تلبية حاجيات أطفاله، لأنه هو مصدر الدخل الوحيد في العائلة. بدورها تؤكد فاتن المناعي المشرفة على المكتبة أن العملاء أصبحوا يطلبون “أكثر فأكثر تقسيط الدفع، لأن الراتب لم يعد يكفيهم”. وعلى سبيل المثال وكمؤشر على تراجع القدرة الشرائية تبين أن “الكراس المدعم كان مخصصا فقط لمن دخلهم ضعيف، لكن اليوم حتى من أصحاب الدخل المتوسط يطلبون الكراس المدعم”. ويبلغ معدل الرواتب وفقا لتقديرات منظمات غير حكومية في تونس نحو 300 دولار في بلد تجاوز عدد الأشخاص تحت خط الفقر فيه أربعة ملايين. “من أصل نحو 12 مليون نسمة”. والتعليم الحكومي في تونس مجاني لكل الفئات، وأقرت الحكومة للموسم الدراسي الحالي أمام تضخم التكاليف، رفع المساعدة المالية التي تشمل نحو 500 ألف تلميذ من أبناء العائلات المعوزة ومحدودة الدخل، من 50 إلى 100 دينار “30 يورو”. أظهرت بيانات تقرير نشره “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” بعنوان “إنفاق المجتمع على التعليم: بين وهم المجانية وإرهاق الإنفاق العائلي” أن أسعار المواد المدرسية شهدت ارتفاعا بـ48 في المائة من عام 2021 وصولا إلى 2023. وأكدت المنظمة في تقريرها أن “إنفاق المجتمع والعائلة أساسا على التعليم الذي ما انفك يتطور من عام إلى آخر، جعله يرهق ماديا العائلات التونسية خاصة المتوسطة ومحدودة الدخل التي تعاني في الأصل ارتفاع التضخم”. أزمة اقتصادية تواجه تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فقد بلغت نسبة التضخم 9.3 في المائة ونسبة نمو اقتصادي ضعيفة لا تتجاوز 0.6 في المائة وفقا لآخر الإحصاءات الرسمية، فضلا عن أن عديدا من المواد الاستهلاكية الأساسية أصبح مفقودا من السوق على غرار السميد والطحين والزيت وغيرها. لذلك يخوض هذا البلد مفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولي لنيل قرض جديد بقيمة ملياري دولار لسد عجز موازناته المالية. يقدر خبراء اقتصاد أن البلاد لم تعد تتمكن من تأمين العملة الصعبة الكافية لتوريد السلع لأسواقها الداخلية وينتج عن ذلك نقص أمام تزايد الطلب. يعتبر عز الدين سعيدان الخبير الاقتصادي أن العودة المدرسية خلال سبتمبر “صعبة” على التونسيين، مشيرا إلى “اللوازم المدرسية التي تنفجر أسعارها، فضلا عن المدارس الخاصة التي ارتفعت أسعارها” مع نهاية عطلة فصل الصيف التي غالبا ما تتزامن مع وصول فواتير استهلاك الطاقة. يرى الخبير أن ذلك سيعزز “الاستياء” لدى التونسيين بسبب تكرار نقص المواد. يخلص بلقاسم بينما يقلب فاتورة مقتنياته الطويلة، “ماذا بقي للمواطن من خيار؟ إنه يختنق”.

مشاركة :