السياحة في العرف، هي الانتقال من بلد إلى بلد لغرض ما، وهي مرادفة للسفر في العرف اللغوي، وأقسامها متنوعة بحسب الغرض من السياحة: فمنها السياحة الدينية، وهي ما كان القصد منها طلب الثواب والأجر، وقد يكون القصد شرعياً مثل: الحج والعمرة، وزيارة المسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وقد يكون بدعياً مثل: زيارة الأضرحة والمشاهد والأماكن، التي تُقصد لعمل البدع، ومنها السياحة الثقافية لطلب العلم، وزيارة معارض الكتب، ونحو ذلك، ومنها السياحة العلاجية لطلب العلاج والاستشفاء، وذلك بزيارة «الأطباء الحاذقين»، والمياه الحارة المعدنية، والبحار ذات الملوحة المريحة لمعالجة بعض أمراض الروماتيزم وغيرها، ومنها السياحة التجارية بزيارة المعارض الدولية، وعقد الصفقات، وإيجاد عملاء جدد، ومنها سياحة الاستجمام والتغيير، وسياحة الترفيه، وهي تطلق عادة على الأمور المخالفة للدين من معاقرة الخمور، وحضور الحفلات الغنائية، والأفلام السينمائية، وغيرها من المحرمات والكبائر. ومن هذا التقسيم نستطيع أن نتصور الحكم الشرعي في هذه الأقسام، إذ ينطبق على السياحة الأحكام الخمسة: فتكون واجبة مثل: الحج والعمرة، وتكون مستحبة مثل الحج والعمرة لـمَنْ قضى فرضه، وكذلك زيارة المسجد النبوي والأقصى، ومسجد قباء لـمَنْ كان في المدينة، والسفر لطلب العلم، وصلة الرحم، والزيارات الأخوية، ومنها السفر بغرض فهم الوقائع التاريخية بزيارة الأماكن التي وقعت فيها حادثة تاريخية، وقد كان الواقدي، رحمه الله، يتتبع أماكن المغازي ليفهمها، ويوفِّق بين الروايات المختلفة فيها، ومن أوضح الأمثلة غزوة أحد، إذ إنك لا تستطيع تصور الواقعة إلا بعد الوقوف على مكانها. وتكون مباحة، وهي ما كانت للتجارة والاستجمام والتطبُّب، وقد يؤجر العبد عليها بالنية الصالحة، وتكون مكروهة، وهي الإكثار من السفر، إذ من المقرر أن الإكثار من المباح مكروه، لأنه يشغل عن عبادة الله تعالى، والقيام بالمسؤوليات الاجتماعية، وتربية الأولاد، وبناء المجتمع، ولما فيه من تبذير للأموال، وتكون محرمة، وهي نوعان: فقد يكون الغرض طيباً، لكنه ليس مما جاء به الإسلام، فيكون من قبيل البدع مثل: السفر لزيارة الأضرحة والمشاهد وأماكن البدع، وقد يكون الغرض محرماً من الأساس مثل: سياحة الترفيه، ومعاقرة الخمور، وحضور المهرجانات الغنائية، ولعب القمار والميسر، ونحو ذلك. وبعد هذه التقسيمات، يجدر بنا أن نتحدث عن بعض القضايا التي يتساءل عنها كثيرون، فمنها زيارة الأماكن الأثرية، التي هلك أصحابها بالعذاب، مثل قوم صالح، وقد ثبت أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمرنا ألا ندخل على القوم المعذَّبين، وأمرنا ألا ندخل مدائن ثمود إلا ونحن باكين حتى لا يصيبنا ما أصابهم من العذاب. والمقصود استحضار الخشية والخوف من الله عند دخول هذه الأماكن. وحين مرَّ بالحجر قال: «لا تشربوا من مائها شيئاً ولا تتوضؤوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له». ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعيره، فأما الذي خرج لحاجته، فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء، فأخبر بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألم أنهكم أن لا يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه». ثم دعا للذي خُنق على مذهبه، فشُفي، وأما الآخر فأهدته طيء لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة. ولابد أن يُعلم أن هذه البلاد المباركة لا يصح أن تعتز بقوم مكذِّبين مثل قوم صالح، أو أصحاب الأخدود، أو بقايا الأحقاف، أو أي قوم عذَّبهم الله تعالى في الدنيا، وإنما تعتز هذه البلاد بكونها موطن الدعوة، ومهبط الوحي، و»مأرز الإسلام». وما ينشر من بعض الكُتَّاب أننا بلاد حضارات عريقة مثل أصحاب الأخدود وغيرهم، هو أمر لا ينبغي أن يقال، لأنهم لا يستحقون الفخر بهم، وقد صدر منهم ما صدر من الجبروت والطغيان. وأما زيارة الأماكن الأثرية، التي هي لقوم كفار، وليست أماكن عذاب، مثل أهرامات مصر، والنوبة، وأماكن الحضارة الرومانية في الشام، وغيرها، فليس في الشرع ما يمنع من زيارة هذه الأماكن، والأجدر بالمؤمن أن يتعظ برؤية هذه الحضارات، وكيف انتهت بعد أن وصلت إلى مكانٍ عالٍ من التحضر والترف كما قال تعالى: «وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون». أما زيارة الأماكن الأثرية الإسلامية لغير التعبد، مما يقوي اعتزاز المسلم بحضارته، ويتذكر بها مَنْ سلف، وما كانوا عليه من قوة وتقدم، فليس في الشرع ما يمنع ذلك. ويُحسن للمسلم أن يبتعد عن زيارة الأماكن، التي تعد مقصداً للبدع والتعظيم المحرم، وارتكاب ما يُغضب الله تعالى، فقد قال تعالى: «وقد نزل عليكم في الكتاب إن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذاً مثلهم». وقال سبحانه: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الفاسقين». وثبت عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: «نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم». رواه أبو داود، وإسنادها على شرطهما.