حضوضى وآل طارق صنوان لا يفترقان.. يجمعان شموخ جبل ووفاء إنسان

  • 9/21/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تستمد الأماكن قيمتها ومكانتها من الذكريات التي كُتبت في جنباتها، ومن المواقف التي قد لا تستوعب الذاكرة بعضها (رجولة وشهامة وكرم ونخوة وشجاعة) هناك حيث ينتصب “حضوضى” أحد أشهر الجبال التهامية ممتدًا يناطح السحاب، ويتساوى مع جبال السروات، لكنه يختلف فهو ينفصل مستقلًا شامخًا بشكل لا يشبه غيره .. وقد ارتبط جبل حضوضى بعلاقة خاصة مع أهالي قرية آل طارق، فهم يرونه جزء لا يتجزأ من حياتهم وحياة اجدادهم، ويعد المتنفس الخاص للغالبية منهم، وهو اشتق كثيرًا من شموخه من تاريخهم معه والحكايات والقصص التي تناقلتها الأجيال وحفظتها صخوره وشعابه وأشجاره، ولو تحدث لعبَّر عن كثير من الأسرار التي غابت أو غُيبت أو استعصت على الذاكرة .. وهنا نأخذكم في رحلة خاصة عبر هذا الجبل الأشم “جبل حضوضى” يقع جبل حضوضى في العرضية الجنوبية من محافظة العرضيات وهو يحيط بقرية آل طارق بشكل شبه مقوس بواجهته الجنوبية، ويمتد من جهة الغرب إلى جهة الشرق إلى وادي الغرين .. حيث يتوسط جزءًا من منازل القرية القديمة أسفل واجهة الجبل وتلتصق به باقي المنازل من جهة الغرب إلى جهة الشرق في أجزاء متفرقة إلى بعض المنازل في متوسط الجبل، وكذلك بعض البيوت والقناع (قَنَعةَ) المنتشرة في أعالي الجبل في جهات مختلفة منها (القهرة، شط البحيري، المدانة، الملعب، الوقير، ظهور القرية، حوية، وتيدن، البرقاء، المظلال، الحقنة، الحِمِرة القناعات، الوهده، الحجيمات، ذات عرق..) وهناك بعض مصادر المياه الناتجة عن الامطار القريبة من هذه الاماكن المرتفعة منها وبدة (المدبة، الشضايا، المغروف، المطوه، المحرش، الطينة) وكذلك (ضحضاح وتيدن) اكبر ميراد سقيا للمواشي .. جبل حضوضى تميز بتكويناته، وقممه الصخرية الفريدة، وسفوحه العالية، وشقوقه الحادة السحيقة الأشبه بالأخاديد، ووعورة بعض أماكنه، فهناك متالف ومهالك في هذا الجبل (المهيب) لمجرد المشاهدة أو الاقتراب منها هو الشعور بما بين البقاء والفناء، وهناك ايضا ما يسمى الرديف مثل رديف المصانة (محصن ومعبر النمور) رديف الاسود، رديف الرّقع، رديف مهابرن وغيرها إضافة إلى صفاة الحبنة وصفاة المحنش وشعبانه ومنحدراته التي تصب بمياه الأمطار، وتتوزع في اتجاه أودية السهل مثل: (وادي الغرين، وادي رحبان، وادي بوملاحن السريحات..)، وبدورها تسقي البلاد (المزارع) .. وقد استمد آل طارق الأوائل من هذا الجبل العزيمة والقوة والصلابة لارتباطهم بجبل حضوضى ارتباطًا وثيقًا منذ القدم وصل إلى حد الافتتان به فقد احبوه واحبهم، كونهم عاشوا في أكنافه، وتعاملوا معه واستفادوا من مكوناته، وكان من متطلبات الاستمرار والبقاء فهو يعد مخزنًا من مخازن الغذاء والماء والأشجار والنباتات والرعي، ويمثل رمزية تاريخية معنى ودلالةً، تشكلت بالمعايشة والارتباط الذي فرضته طبيعة الموقع، وتحفظه القصائد والقصص والحكايات والأحداث .. ويحمل جبل حضوضى في طياته تاريخًا عريقًا يستحق الاحتفاء والكتابة للأصالة المرتبطة، به والتي تعكس شخصية إنسان هذه القرية قرية آل طارق .. لقد تأصلت المكانة التاريخية لجبل حضوضى عبر مرور الزمن، وتوثقت بالقصائد والقصص والأحداث، محققة بذلك رمزية وجانبًا تراثيًا جميلًا وحكايات وطقوس قديمة، وتجارب رجال عاشت بوفاء لهذا الجبل الذي بادل الوفاء بالوفاء والتذكر .. الأمر الذي استطاع بعض أفراد القرية حفظه وتدوين تلك القصص والحكايات والأحداث .. ولا يخفى على أحد أن اعتماد أهل القرية كان على الزراعة التقليدية كغيرهم، فهي مصدر القوت، ومهنة الأجداد، والاستزراع كان على ما تتحقق الاستفادة منه فقط، وعلى الأمطار وهو النظام السائد آنذاك .. وكانت هناك بعض التحديات يواجهها أهل القرية أهمها القحط (أجحرة الأرض) بلهجة القرية بمعنى انقطع المطر، فالبديل هنا الرحيل والصعود إلى جبل حضوضى عبر سلك طُرق الرجلية المعبدة تقليديًا والمتعددة والمتفرعة من جهات مختلفة المخصصة للإنسان والدواب والمواشي .. حيث هناك البيوت والقناع (قَنَعَةَ) لأفراد القبيلة وكل منهم على حسب ما هو متوفر وما هو عليه، كتفاوت طبيعي بين أفرادها، وكان كل مكان مسمى باسم أهله، والقنعة أشبه بالبيت المبني على الصخور أو تحتها أو في جزء على مدخل الصخور المنتشرة في أرجاء الجبل، والتي تشكل ما يشبه المغارة، وهي قائمة لليوم .. ويوجد أكثر من (٤٠٠) اسم لكل مكان أو جزء في هذا الجبل، بل إن بعض المسميات بأسماء رجال، ونساء من باب التكريم والتقدير أو كون المكان مقر ومستراح لهذا الإنسان او قد ارتبط بحدث معين فتمت التسمية بناءً على ذلك .. ومن هنا ارتبطت حياة الناس في هذه القرية بجبل حضوضى لما يمثله من أهمية من أجل الحياة وممارستها بكل ما فيها من تحديات الوجود والبقاء والاستمرار، وبقدر ما تحمل إنسان ذلك الوقت من القساوة أكثر مما يطيق بقدر ما كان أقوى مما هو عليه .. ولا يزال آل طارق يرتادون جبل حضوضى كمنتجع من باب التنزه والترويح وعيش حياة البساطة، متزودين بكل ما يحتاجونه (امتثالا لقوانين منع الصيد) .. وكما أشرنا سابقًا فإن كل مكوِّن في هذا الجبل باسمه واتجاهه المعروف إن كانت صخورًا، أو أودية، أو شعبان، أو سفوح، أو منحدرات، أو قِري، أو بيوت، أو قناعًا، او وبدًا او حياد (نقرة صغيرة أو حفرة كبيرة في الصخر تحتفظ بماء المطر) وبالتالي يتجه مرتادوه إلى مكان معلوم، ومن العرف والطقوس شبت النار كل ليلة طوال مدة الإقامة في الجبل كإشارة اطمئنان لأهل القرية كون الجبال لا تخلو من بعض المخاطر .. فالجبل بقمته العالية الشامخة المسماة “القنذلة” وألوانه الرائعة المغلبة بالأخضر والطبيعة البكر، وهو رمز للعطاء، وقد يقصر الإنسان عن وصف جبل حضوضى بما يستحق عطفًا على طبيعته ومكانته .. فقمته اليانعة ومنظره المهيب يوحي بالشموخ، فهو جبل شبه دائم الخضرة في أغلب الفصول، ومرتبط بكثير من الحكايات والقصص ويختزل هذا الجبل الكثير من الذكريات الرائعة، فالشجر والحجر والبشر كل يحمل سرًا جميلًا من الأسرار، وكل من صعد وحل في هذا الجبل متع نظره بمناظره ورائحته؛ واستنشق عبير زهوره، واستمتع بتغريد عصافيره، فهو بستان متجدد، ومرعى متجدد، وهناك أشجاره الممتدة بظلالها الوارفة ومنها (الأثب، السيال، السدر، الشوحط، البشام الضهيان..) وبعض الثمار منها (المغد، الجنع الشقب النبق..) والنباتات العطرية منها (الرند، السكب، الشار، الشنة، برك الجبل) والمياه التي تخرج من بين الصخور مع الأمطار (وجية)، وهناك الطيور بأنواعها، وبعض الحيوانات مثل (الوعول، والوبارة)، وفي فصل الشتاء يزداد الجمال جمالًا، فهناك طبيعة ساحرة ومناظر مدهشة مع الضباب، وتلك القناع والبيوت التي صنعتها الصخور والأشجار بتشابكها الجميل .. ويمثل تنوع أشجار ونباتات وحيوانات وطيور جبل حضوضى ركنًا مهمًا في تكوين تضاريسه لترسم بذلك أجمل لوحة طبيعية ملهمة، وقد تغنوا به وبكل ماحوى بكثير من القصائد الرائعة .. ومن أخطر الحيوانات في جبل حضوضى النمور، والذئاب، والفهود والضباع والوشق .. وكان أهل القرية قديما يلاحقون النمور بشكل خاص في هذا الجبل من خلال قوة الحدس لدى البعض وهو القدرة على معرفة وتحديد مكان النمر لمجرد أن يطلق في الليل صوت النهيت باللهجة المحلية (الزمخرة) حيث من اليوم التالي يبدأ الترصد والقضاء عليه .. ويرتبط بذلك عُرف سائد وهو اشبه بلوحة الشرف في زمن اليوم يتمثل في ان من يقوم بقتل نمرا من أفراد القرية يُكتب اسمه “فارس” في هذه اللوحة الشرفية المحفوظة في اذهان الناس ويتم تكريمه وهذه اللوحة تتضمن عدد من افراد القبيلة رحمهم الله جميعا .

مشاركة :