بعد بداية متعثرة لهذا العام، انتعشت الأسواق المالية العالمية بقوة خلال الأسابيع الأخيرة. فقد كان هناك عدد من العوامل التي أثارت مخاوف الأسواق المالية في بداية السنة تضاءلت معها التوقعات بشأن زيادة أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ولكن مع ما طرأ مؤخراً من زوال لحدة تلك المخاوف وانتعاش الأوضاع المالية، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي يبدو الآن أكثر استعداداً للمضي قدماً في رفع أسعار الفائدة. عانت الأسواق المالية العالمية في بداية عام 2016: فقد انخفض مؤشر MSCI للأسهم العالمية بنسبة 11.5% خلال الأسابيع الستة الأولى من العام مع أسوأ خسائر في الصين، بانخفاض أكثر من 20%، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز الأمريكي بنسبة 10.5% خلال نفس الفترة، كما انخفضت أسعار النفط بنسبة 19.4% بسبب مخاوف بشأن الطلب العالمي واستمرار الفائض في المعروض. كانت الأسواق قد أصيبت بمجموعة من المشكلات الاقتصادية العالمية. أولاً، في الصين، أثار انخفاض قيمة الرنمينبي وتباطؤ النمو مخاوف بوقوع مزيد من التخفيض لقيمة العملة وهروب رؤوس الأموال. وربما تخوفت الأسواق أيضاً من تفاقم المخاطر التي تنجم عن الأزمة الحادة في ميزان المدفوعات. ثانياً، أشارت مجموعة من البيانات السلبية إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي يتركز في قطاع التصنيع العالمي. كما انكمش الإنتاج الصناعي في ديسمبر/كانون الأول في أكبر مراكز التصنيع في العالم، الولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو. وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بحدة في الربع الأخير إلى 0.7% (ارتفع في وقت لاحق إلى 1٪) وإلى -1.4% في اليابان (تحسن في وقت لاحق إلى -1.1%. ثالثاً، أثار انخفاض أسعار النفط خطر وقوع مشكلات ائتمانية بين الدول المنتجة للنفط على نحو قد يزعزع استقرار الأسواق المالية. كانت إحدى الانعكاسات المهمة للاضطرابات التي وقعت في الأسواق المالية هي تراجع الحدة في لغة بنك الاحتياطي الفيدرالي حول الجولة التالية لرفع أسعار الفائدة. فقد قالت جانيت يلين، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، في شهادتها أمام الكونغرس في 10 فبراير/شباط بأن هناك حاجة لأخذ مسألة تشديد الأوضاع المالية بالاعتبار. وتراجعت توقعات السوق بشأن رفع أسعار الفائدة بقوة عقب ذلك، واعتمدت الأسواق المالية في تسعيراتها فرصة 11% فقط لرفع معدلات الفائدة لكامل عام 2016. هدوء المخاوف يبدو الآن أن المخاوف قد خفت بشأن الصين والاقتصاد العالمي. وقد انتعشت أسواق الأسهم العالمية بعض الشيء من مستوياتها الدنيا. وانخفض مؤشر MSCI للأسهم بنسبة 3.6% فقط للسنة، ومؤشر ستاندارد آند بورز بنسبة 2.7%، وارتفعت أسعار النفط بنسبة 9.8%. وفي نفس الوقت، تراجعت أسواق الأسهم الصينية بنسبة 18.0% للسنة حتى الآن. وقد قامت السلطات الصينية بتغيير سياسة سعر صرف عملتها وسمحت بارتفاع قيمة الرنمينبي وهدأت بذلك المخاوف من هروب رؤوس الأموال. وأخيراً، من المتوقع الآن أن ينتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول لعام 2016 في الولايات المتحدة (توقعات الخبراء 2.0%) واليابان (توقعات الخبرات 1.2%). وتشير البيانات الأخيرة إلى بدء حدوث زيادة في الاستهلاك في الولايات المتحدة وذلك على خلفية الارتفاع في مبيعات التجزئة وقوة بيانات الاستهلاك وثقة المستهلك. كما جاء عنصران رئيسيان من البيانات الاقتصادية خلال الأسبوعين الأخيرين أقوى من التوقعات، مما يعزز إمكانية رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. أولاً، ارتفع التضخم الرئيسي إلى 1.7% في شهر يناير/كانون الثاني مقترباً بذلك من معدل 2% المستهدف ومتجاوزاً التوقعات التي بلغت 1.5%. ثانياً، جاءت بيانات الوظائف غير الزراعية بالولايات المتحدة أقوى بكثير مما كان متوقعاً حيث بلغت 242 ألفاً في شهر فبراير/شباط، مما أبقى مستوى البطالة منخفضاً عند نسبة 4.9% وأعطى مؤشراً آخر على قوة سوق العمل الأمريكي. كما تمت إعادة تسعير العقود الآجلة لتعكس زيادة احتمال جولة أخرى من رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. ويظل احتمال رفع أسعار الفائدة مرة أخرى في 16 مارس الجاري ضعيفاً جداً بالنظر إلى الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية مؤخراً وبدون وجود مزيد من البيانات لتأكيد عودة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. لكن العقود الآجلة الحالية تدل على احتمال بنسبة 46% لرفع أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في يونيو/حزيران واحتمال بنسبة 72% لرفعها في ديسمبر/كانون الأول. وإذا استمر الهدوء الحالي للأسواق المالية من المتوقع أن هناك جولتين أو ثلاثة لرفع أسعار الفائدة هذا العام.
مشاركة :