دواء سيئ السمعة

  • 9/29/2023
  • 23:38
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مكون ذلك العلاج كان ولا يزال سيئ السمعة، إنه نوع من الفيروسات، فكيف لتلك الكائنات المتناهية في الصغر، التي مجرد سماع اسمها يثير في النفوس الذعر، لما سببته وتسببه للبشر من أمراض قاتلة، أن تكون علاجا. لقد أوقف أحدها الحياة تماما يوما ما وجعلنا حبيسي منازلنا، وحول المدن النابضة بالحياة إلى مجرد مدن أشباح. لكن العلم وما أدراك ما العلم في كل يوم يكشف لنا سرا من أسرار هذا الكون، ودليلا جديدا على عظمة الخالق، فالله - سبحانه وتعالى - لم يخلقنا ويهملنا، بل اعتنى بنا وجعل أجسادنا تعالج نفسها بنفسها، حتى تمكن الإنسان من كشف سرها واستخدامه لمصلحة البشر. في 1917 اكتشف العالم فيليكس دهيريل، وهو واحد من عالمين يرجع إليهما الفضل في اكتشاف الفيروسات المعالجة، التي عرفت لاحقا باسم العاثيات. لم تكن لدى دهيريل أدنى فكرة عن الأمر الذي اكتشفه. لقد كان مهتما بمرض يسمى "الزحار العصوي"، وهو التهاب بكتيري يتسبب في إسهال حاد يودي بحياة المصابين بسبب عدم وجود وسيلة معالجة، ومصادفة لاحظ شيئا غريبا كان يحدث في عينات المرضى الذين نجوا من المرض، لقد كان هناك شيء ما يقتل البكتيريا المسببة للمرض. ولمعرفة ما كان يحدث، قام بتجربة عبقرية. أخذ عينة صغيرة جدا من ذلك الشيء، وأضافها إلى بكتيريا مستزرعة حديثا، ووجد أنه قضى على البكتيريا في غضون ساعات، كرر العملية عشرات المرات وفي كل مرة يحصل على النتيجة نفسها، وأطلق على العامل القاتل الذي اكتشفه "آكل البكتيريا" ولم يدر بخلده أن اكتشافه يعد من أعظم الاكتشافات في علم الأحياء المجهرية الحديث، الذي استحق عليه العالمان اللذان اشتغلا على العاثيات وطورا أدوية بناء عليها، جائزة نوبل. تتميز هذه الفيروسات بأنها تستهدف نوعا محددا من البكتيريا عكس المضادات الحيوية واسعة الطيف التي كان لها دور كبير في زيادة متوسط أعمار البشر، ومنحهم فرصة كبيرة لعمل الجراحات وعلاج الحروق دون خوف من العدوى البكتيرية. لقد تم تجاهل "العاثيات" لأعوام طويلة حتى ظهرت البكتيريا المقاومة للمضادات، التي توقعت دراسة بريطانية أن تتسبب في مقتل عشرة ملايين شخص سنويا مقارنة بالسرطان الذي يقتل ثمانية ملايين شخص بحلول 2050. لكن المبشر أن الفيروسات أو "العاثيات" لا تزال موجودة، إنها تقتل البكتيريا بانتقائية، ما يقلل الآثار الجانبية التي كانت تحدث بسبب المضادات الحيوية. والأجمل أن هذه الكائنات لم تعد مجهولة، لقد أصبحت مرئية وبإمكاننا تعديل حمضها النووي وتطوير مستحضرات طبية قوية وموثوقة قائمة على "العاثيات".

مشاركة :