رغم إعلانه صراحة أمس الأحد، عن اتجاه الحكومة البريطانية لانتهاج تخفيضات إضافية في الإنفاق، سعى وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن إلى «تهدئة وطمأنة» الشارع البريطاني، بقوله إن التخفيضات «لن تكون كبيرة». وطوال الأيام الماضية، وحتى الأربعاء المقبل، يعيش المواطنون البريطانيون في قلق بالغ من «حجم» التخفيضات، التي توقع الجميع منذ البداية أن الحكومة ستعرضها على مجلس العموم بعد غد الأربعاء من أجل إقرارها، وذلك عقب تفاقم عجز الموازنة؛ لكن أغلب التساؤلات كانت تنصب على نسبة هذه الاستقطاعات، والشرائح التي ستتأثر بها. وتنصب مخاوف البريطانيين بالأساس على اقتطاع جوانب من الميزانية تسفر عن حرمانهم من عدد كبير من الخدمات الأساسية التي يتحصلون عليها، سواء الطبية أو الاجتماعية، والإعانات التي توفرها الحكومة بشكل كبير للعاطلين أو المعوزين. وهي إجراءات وصفها المراقبون بـ«الأليمة»، والتي من شأن اتخاذها بشكل موسع أن يسفر عن غضب كبير في الشارع البريطاني، ربما يسفر عن فقدان حزب المحافظين لمقاعده الحكومية. لكن الحكومة البريطانية صارت مدفوعة إلى اتجاه واحد، نحو «التقشف»؛ سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا، وذلك نظرا لتفاقم عجز الموازنة، والتي تخطت حاجز 18 مليار جنيه إسترليني في ميزانية أوزبورن المقرر تقديمها إلى مجلس العموم الأربعاء المقبل. ويأتي هذا «الاتجاه الإجباري» مدفوعا بعدد كبير من العوامل الدولية، من تباطؤ للاقتصاد العالمي، وأزمة مهاجرين تخنق دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الصراع البريطاني الداخلي والانقسام الحاد حول مسألة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. ووزير المالية الحالي جورج أوزبورن من بين أكبر مؤيدي ترشيد الإنفاق المحلي في بريطانيا، بل إنه يرى أن هناك ضرورة حتمية لـ«خفض الإنفاق»، وأعلن أن بيان الميزانية السنوي الذي سيصدر الأربعاء سيتضمن خطوات لضمان التزام بريطانيا بخطته لإصلاح المالية العامة.. كما أن حكومته سربت كثيرا معلومات طوال الشهور الماضية حول نيتها قطع كثير من المعونات والمساعدات التي تحصل عليها فئات واسعة من السكان في بريطانيا. وعقب ساعات من مقال «ساخن» له نُشر أمس في صحيفة «صن» البريطانية الشعبية، يؤكد فيه التوجه نحو خفض الإنفاق ويدافع عنه وعن منطقه، سارع أوزبورن خلال مقابلة ظهرا مع تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إلى التأكيد على أن «تخفيضات الإنفاق الإضافية التي من المقرر أن يعلنها الأسبوع الحالي، تبلغ نحو 0.5 في المائة فقط، أي ما يوازي 50 بنسا فقط لكل مائة جنيه إسترليني تنفقه الحكومة حتى نهاية العقد الحالي، وهو هدف قابل للتنفيذ». قائلا: «أعتقد أن بوسعنا أن نحقق هذا الخفض. ليس مبلغا كبيرا بالنسبة للإطار الأوسع للأمور». وأشار وزير المالية في مقالة له، إلى أنه يعمل على حماية خطته الرامية للقضاء على عجز الموازنة من تداعيات ضعف الاقتصاد. موضحًا أن «التباطؤ في الصين وانخفاض أسعار النفط وتعديل أسعار الفائدة في بعض الدول، فضلا عن عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط سيقود إلى أكثر الفترات ضبابية منذ الأزمة المالية». كما أكد أوزبورن أن «الضبابية ستتفاقم إذا ما أسفر استفتاء يونيو (حزيران) المقبل عن قرار بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، مسلطا الضوء على الصورة الكاملة «القاتمة» بقوله: «باختصار، تبددت الآمال في تعاف اقتصادي أقوى»، مردفا أنه «لذلك، سيتوجب السعي لترشيد الإنفاق العام بصورة أكبر، كي تنفق البلد في حدود إمكاناتها». وفي خضم تصريحاته المتعددة، أمس، لم ينس أوزبورن توجيه سهام النقد إلى عمدة لندن، حليفه السابق من حزب المحافظين وخصمه الحالي، بوريس جونسون، الذي انضم إلى المعسكر المؤيد للانفصال عن الاتحاد الأوروبي. قائلا إن جونسون «يمارس ألعابًا سياسية»، متهمًا الأخير بأنه يفعل ذلك في إطار طموحاته إلى صعود حكومي. وفند أوزبورن تصريحات جونسون الداعية إلى أن تسير بريطانيا على درب كندا الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، حيث ناقشت معها تفعيل حرية التجارة، دون حرية التحرك، والأخير أمر يؤرق بريطانيا بشكل بالغ نتيجة موجات الهجرة، سواء من الشرق الأوسط أو من دول شرق أوروبا. لكن أوزبورن رد على تلك المقترحات قائلا: «لقد استغرق الأمر 7 سنوات من النقاش بين كندا وأوروبا، وهناك رسوم جمركية على كل شيء.. من السيارات وحتى اللحوم. فيما ثلاثة أرباع اقتصادنا في بريطانيا ينصب على الخدمات»، مؤكدا أنه لا يمكن المقاربة بين الوضعين.
مشاركة :