تشهد العلاقات السعودية الصينية، نموًا متزايدًا على جميع الأصعدة، مع رغبة مشتركة بين البلدين في دفع هذه العلاقات إلى أفاق أوسع، بما يوازي مكانة المملكة والصين، في ظل دور التحالفات الدولية في خلق فرص تحقيق السلام والأمان الاقتصادي للشعوب. ويتزامن ذلك مع احتفالات جمهورية الصين الشعبية بمرور 74 عامًا على تأسيسها. «المدينة» ألتقت مع السيد وانج تشي مين القنصل العام الصيني بجدة، لتسليط الضوء على ما تشهده هذه العلاقات من نمو وتطور بما يخدم مصالح البلدين. شراكة إستراتيجية * ما تقييمكم للعلاقات السعودية الصينية في ظل تنامي الشراكات الإستراتيجية بين البلدين في السنوات الأخيرة؟ - تعد السعودية دولة مهمة في العالم العربي والإسلامي، ودولة عربية وحيدة في مجموعة العشرين، لذلك فهي تمثل الشريك الإستراتيجي الشامل للصين، فضلًا عن أن علاقة البلدين تتمتع بإستراتيجية تنموية متناسقة ورؤية ومفاهيم متشابهة تجعل منهما شريكين طبيعين، ومنذ أقامة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين قبل 33 سنة، والعلاقات تشهد تطورًا بشكل سريع وفعال، عزز الثقة في السياسات المتبادلة بلا انقطاع، وأحرز نتائج ومنافع مثمرة. وفي ديسمبر من العام الماضي قام الرئيس الصيني شي جين بينج بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، كانت ناجحة، وحضر القمة الأولى بين الصين والدول العربية، وكذلك قمة الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. كما أجرى الرئيس شي تبادلات متعمقة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء. البنية التحتية الرقمية *كيف ترون التبادل الاقتصادي والتجاري بين الصين والمملكة؟ - منذ عام 2001، أصبحت السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ عام 2013، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، ويصل حجم التجارة الثنائية بين الصين و السعودية لعام 2022 إلى 116 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 33.1%، وأصبحت المملكة أول شريك تجاري للصين بقيمة 100 مليار دولار أمريكي في منطقة الشرق الأوسط في العام الحالي، نمت التبادلات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بسرعة، وعلى هذا الأساس، ففي النصف الأول من عام 2023، قد وصل حجم التجارة الثنائية إلى 55.2 مليار دولار أمريكي، ومن المرجح أن يبقى الحجم الإجمالي للعام الشامل على قيمة مستواها 100 مليار دولار أمريكي، ومع تسريع المملكة في دفع عملية التصنيع والتحديث في السنوات الأخيرة، أصبح التكامل الصناعي بين الصين والسعودية في مجالات البنية التحتية، والبنية التحتية الرقمية، والسيارات، والبناء، والطب الحيوي أكثر بروزاً، فعلى سبيل المثال، يفضل المزيد والمزيد من المستهلكين السعوديين منتجات السيارات الصينية، وكما تظهر البيانات العامة، كانت المملكة تتبوأ المرتبة المتقدمة في الدول التي تصدر السيارات الصينية إليها، منذ عام 2020 إلى عام 2021، ازدادت حجم مبيعات السيارات الصينية في السعودية بنسبة 57%، وازدادت بنسبة 22% على أساس سنوي في عام 2022، وفي مجال التقنية العالية، تم إطلاق «عقدة الرياض الخاصة» بشركة Huawei Cloud رسميًا في الآونة الاخيرة، مما يعزز نمو الاقتصاد الرقمي السعودي بشكل فعال، وسيساعد التشغيل الرسمي لمختبر المشروع المشترك لشركة BGI في المملكة على تطوير الطب الدقيق وخدمات الصحة العامة في السعودية، لا شك أن هذا التبادلات والتعاون الاقتصادي والتجاري الحقيقي ستعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدين بشكل كبير. *أي مجال يحظى بأولوية متقدمة في التعاون الثنائي بين الصين والمملكة العربية السعودية؟ - تعد الصين والسعودية دولاً مستهلكة مهمة ودولة منتجة مهمة من حيث الطاقة في العالم على التوالي، وتمتلك الدولتان أساس تعاون الطاقة الممتاز وإستراتيجية الطاقة المتكاملة، تكون المملكة العربية السعودية شريكًا وموردًا موثوقًا للصين في مجال الطاقة دائماً، وفي السنوات الأخيرة، واصلت الصين والمملكة توسيع التعاون العملي في مجال الطاقة، ودفعتا تطوير واستخدام الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، وحققتا نتائج مثمرة، في محافظتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، تعد مصفاة ينبع الصينية السعودية (ياسرف) التي تم بناؤها بشكل مشترك بين شركة سينوبك الصين وأرامكو السعودية نموذج التعاون في مجال الطاقة بين الصين والسعودية، والتي يمكنها معالجة 400 ألف برميل من النفط الثقيل يوميًا وإنتاج منتجات تكرير عالية الجودة بقدرة معالجة سنوية تبلغ 20 مليون طن، وهناك أيضاً مشروع محطة الشعيبة للطاقة الضوئية بقدرة 2.6 جيجاوات، والتي تم إنشاؤها بشكل مشترك بي نشركتي إنرجي تشاينا(Energy China) وأكواباور (Acwa Power)، وهي أكبر محطة طاقة ضوئية قيد الإنشاء في العالم، وستوفر 3000 فرصة عمل محلية وتخفض انبعاثات الكربون بحوالى 3.12 مليون طن سنوياً، ومن المعتقد أن التعاون بين الصين والمملكة في مجال الطاقة سيستمر في التعمق في المستقبل وسيقدم مساهمات أكبر في التنمية الاقتصادية للبلدين وحتى العالم. الجسر الثقافي *ما هي النقطة اللامعة البارزة بين التعاون الثقافي بين الصين والمملكة العربية السعودية؟ -مع الاستمرار في تعميق وتوسيع التعاون بين الصين والمملكة في مختلف المجالات، أصبحت اللغة الصينية جسرًا ثقافيًا لدفع التعاون العملي الثنائي وتعزيز تفاهم الشعبين، وتظهر موجة بعد موجة من «تيار اللغة الصينية» و »حرارة الثقافة الصينية» مستمرة في السعودية، وفي العام الحالي، تم التشغيل الرسمي لأول معهد كونفوشيوس للمملكة في الرياض، واشتركت جامعة الأمير سلطان وجامعة شن تشن في إنشائه، بالإضافة إلى ذلك، حقق مشروع معهد كونفوشيوس تحت البناء المشترك لجامعة شان دونغ للمعلمين وجامعة جدة تقدمًا جديدًا، ومن المتوقع أن يتم افتتاحه في وقت قصير، وفي الآونة الأخيرة، أدرجت وزارة التعليم السعودية اللغة الصينية رسميًا في برنامج التدريس بصفة لغة أجنبية ثانية، وستستغل جميع المدارس المتوسطة جزءًا من ساعات الدراسة يومي الأحد والاثنين لتدريس اللغة الصينية، كما يمكن للطلاب الذين يشاركون في المادة الدراسية للغة الصينية سيحصلون على 10 ساعات من العمل التطوعي، وتفتتح المدرسة الفرعية للغة الصينية في جدة تحت رعاية الهيئة التعليمية الصينية «بيت الحكمة» بشكل رسمي، مما يمنح الهاوين السعوديين للغة الصينية المزيد من الخيارات لتعلم اللغة الصينية والتعرف على الثقافة الصينية في أوقات فراغهم.، وآمل أن يصبح التحدث باللغة الصينية سلسًا في السعودية في المستقبل القريب. قضايا الشرق الأوسط *تشهد بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط حالياً اضطرابات مستمرة... هل يمكنكم عرض موقف الصين من قضايا فلسطين واليمن والسودان؟ - قضية فلسطين نواة القضايا في منطقة الشرق الأوسط، وتتعلق بالسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والإنصاف والعدالة الدولية، ويظل الجانب الصيني يدعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وفي هذا الإطار بعث الرئيس شي برقية التهنئة إلى الأمم المتحدة للاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني لعشر سنوات على التوالي، وقد طرح الرئيس شي مبادرات ومقترحات صينية لتعزيز تسوية القضية الفلسطينية، مؤكداً على دفع الحل السياسي على أساس «حل الدولتين» بشكل حازم وتعزيز جهود المجتمع الدولي لدفع السلام، وباعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ستواصل الصين العمل مع المجتمع الدولي في بذل جهود متواصلة من أجل التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في وقت مبكر، وفيما يتعلق بالقضية اليمنية، يدعم الجانب الصيني الأطراف المعنية بالقضية اليمنية تحقيق حل سياسي للقضية اليمنية من خلال الحوار والتشاور، إن الجانب الصيني مستعد لمواصلة لعب دور بناء في الحل السياسي للقضية اليمنية والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين. المستقبل المشترك * تتزامن مقابلتنا مع اليوم الوطني الصيني، فما هي تمنياتكم لوطنكم والعلاقات السعودية الصينية ؟ - التطلع إلى المستقبل، فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين تتمتع بآفاق مشرقة، في الوقت الحاضر، وتسعى الصين إلى دفع النهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل من خلال التحديث الصيني النمط، وسيتقدم أكثرمن 1.4 مليار نسمة إلى مجتمع حديث بشكل كامل عن طريق التنمية السلمية، وتعمل بثبات على تعميق الإصلاح والانفتاح وتعزيز التنمية عالية الجودة، وتخلق مزيداً من الفرص للعالم بالاعتماد على التنمية الذاتية، وتحقيق زخم قوي للنمو الاقتصادي العالمي. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأتمنى لوطننا الآمال وعظيم الرخاء والازدهار ولمواطنينا السعادة والرفاهية، وفي الوقت نفسه، أتمنى مخلصاً للمملكة العربية السعودية السلام والازدهار، وآمل أن تستمر الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة في كتابة فصل جديد.
مشاركة :