الفن مُهَذب النفوس

  • 3/15/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أشفق سلامة موسى على داروين لاعترافه بأنه لما بلغ سن النضج هجر قراءة الأدب والشعر والمسرح، وانكب على العلم، ما جعله يشعر، رغم استمتاعه بأبحاثه العلمية، بأن في حياته مساحة من الخواء الروحي. في الستين من عمره كتب داروين يقول إنه حتى سن الثلاثين، أو ما يزيد عليها قليلاً، كان يجد في أشعار ملتون وبيرون وشيلي لذة عظيمة، بل إنه حين كان تلميذاً بالمدرسة كان يجد طرباً عميقاً في قراءة شكسبير وخاصة في مسرحياته التاريخية، وكان يجد مثل هذا الطرب في الرسوم الفنية وفي الموسيقى، ولكنه، وقد تقدم به العمر، لم يعد يطيق قراءة سطر من الشعر، وأنه حاول قراءة شكسبير فوجده ثقيل الدم لدرجة سببت في نفسه الغثيان. ومع أنه أقر بأنه ظل يحتفظ ببعض الإحساس للمناظر الخلابة، لكنها لم تعد تحدث لديه اللذة الأنيقة التي كان يحسها قبلاً، وصار يشعر كأن عقله استحال إلى آلةٍ لطحن الحقائق واستخراج القوانين العامة منها، وأنه لو قُدر له العيش مرة أخرى لعني بأن يلتزم قاعدة، هي أن يقرأ بعض الأشعار أو يستمع إلى الموسيقى مرة كل أسبوع على الأقل، لأنه من المرجح أن أجزاء دماغه التي خمدت بالإهمال، كان يمكن أن تبقى على نشاطها بالاستعمال. أدرك الرجل يومها أن فقدانه اللذة من هذه الفنون هو فقدان للسعادة. أكثر من ذلك رأى أن في هذا الفقدان ضرراً للتفكير، والمرجح أن هناك ضرراً للأخلاق، لأن الناحية العاطفية في طبيعتنا تضعف بهذا الإهمال. علينا التوقف ملياً عند العبارة الأخيرة التي ترى في إهمال تذوق الفنون ضرراً للأخلاق، على خلاف ما يروج اليوم من مماهاة الاهتمام بالفنون بسوء الخلق، فيما هي التي تهذب النفس البشرية، وتسمو بها، وتجعلها أكثر رقة ورهافة، وتحررها من الغلظة والقسوة. يعنينا هذا في مقاربة سبق أن مررنا عليها هنا لواقع الحال في منظومتنا التعليمية العربية التي عهد بها في الكثير من الحالات لأصحاب أدمغة مغلقة تمقت الثقافة والفن والإبداع، حيث يجري حشو الأدمغة الطرية للفتيان والفتيات بمفاهيم تنبذ فنوناً مثل النحت، وأحياناً حتى الرسم، وترى في المسرح ضرباً من الكفر، وتتجرأ إدارات المدارس على تحريم دروس الموسيقى كلية. علينا تخيل بعد هذا كم من المواهب تطمر وتوأد قبل أن تتفتح، لأنها لا تجد البيئة الحاضنة لها، التي تصقلها وتأخذ بأيدي أصحابها نحو مدارج التميز والإبداع، وهل لنا بعد هذا أن نندهش حين ينشأ عندنا، في نتيجة ذلك، فتيان وفتيات فاقدو الحصانة بوجه التطرف والتعصب، يدفعون بمجتمعاتهم نحو الدمار، لا نحو الحضارة والتقدم؟ madanbahrain@gmail.com

مشاركة :