القاهرة - ربط مراقبون بين قرار الحكومة المصرية بخفض أسعار بعض السلع الأساسية، وبين انتخابات الرئاسة التي سوف تجرى في ديسمبر المقبل، ويخاطب القرار شريحة واسعة من المواطنين تضررت من نتائج السياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة الفترة الماضية، ويهدف إلى تأكيد أن الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي الذي يخوض هذه الانتخابات حريص على تخفيف معاناتهم. وذكر المراقبون أن توقيت التوجه يرمي إلى قطع الطريق على الاستثمار السياسي لمرشح المعارضة المحتمل أحمد الطنطاوي، للمعاناة الاقتصادية التي يعيشها قطاع كبير من المصريين. وأبدى الرئيس السيسي غضبه من ارتفاع أسعار الكثير من السلع الأساسية أكثر من مرة، آخرها في مؤتمر “حكاية وطن” الذي عقد الأسبوع الماضي، وطالب الحكومة بضرورة السيطرة على الأسعار وتخفيف حدة الأزمات على المواطنين. وأعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي اتخاذ إجراءات هدفها السيطرة على التضخم والحد من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وتم التوافق على خفض أسعار سبع سلع أساسية بنسب تتراوح من 15 إلى 25 في المئة اعتبارا من السبت المقبل. كريم العمدة: أزمة الأسعار تحتاج إلى حلول جذرية بعيدا عن التوظيف السياسي كريم العمدة: أزمة الأسعار تحتاج إلى حلول جذرية بعيدا عن التوظيف السياسي والسلع، هي: السكر والزيت والعدس والفول والألبان والجبن والمعكرونة، مع تعليق عدد من الرسوم والجمارك على بعض مستلزمات الإنتاج لمدة ستة أشهر. وأكد مدبولي في مؤتمر صحفي، الاثنين، أن أهم قضية للحكومة الفترة الماضية كانت مواجهة قضية التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية، لافتا إلى أن التضخم ظاهرة عالمية وأن الحكومة المصرية تعمل على كيفية ضبط الأسعار. وفي إشارة إلى مساعدة القطاع الخاص في هذه المهمة، أشاد مدبولي بوقوفه بجانب الدولة “في كل الظروف والأزمات، وله مواقف وطنية كثيرة على مدار الفترة السابقة”. ومع أن تخفيض أسعار السلع السابقة لن يخدم كثيرا أصحاب الدخول المنخفضة لمحدودية النسبة التي تقرر تخفيضها رسميا، غير أن دلالته المعنوية مهمة الآن، حيث يبعث برسالة سياسية تفيد بأن الحكومة (بتوجيه من الرئيس) تشعر بمعاناتهم وتسعى إلى توفير الحلول الممكنة في أجواء اقتصادية صعبة. وقال كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، في تصريحات لـ”العرب” إن قرار الخفض خطوة إيجابية، لكن مكاسبه السياسية قد تصبح محدودة، بحكم أن نسب الزيادة العامة في الأسعار تفوق قدرات الشريحة الأكبر من المواطنين، ومهما تحركت الحكومة لن تستطيع توفير السلع الأساسية بنفس القيمة المالية المنخفضة التي كانت عليها من قبل. وأضاف العمدة أن نسب التخفيض التي أعلنت عنها الحكومة “لن ترضي غالبية الناس، لأنها ليست كبيرة أو لكونها مرتبطة باستحقاق رئاسي قريب وترغب في تهدئة الشارع قدر المستطاع، لكن في الحقيقة لا تزال الحكومة الحالية قليلة الحيلة في مواجهة الأزمة وقد تضر تحركاتها بالرئيس أكثر مما تنفعه لبطء الإجراءات”. وأوضح أن أزمة انفلات الأسعار في مصر “تحتاج إلى حلول جذرية مستدامة خالية من الأهداف السياسية، بل يتطلب الأمر خطة اقتصادية واجتماعية أبعد من مجرد مبادرة للاستهلاك المحلي، وتبقى العبرة في تطبيق نسب التخفيض، لأن هناك حالة من غياب السيطرة شبه التامة على الأسواق بسبب جشع التجار وغياب الرقابة”. وتساءل مواطنون عقب هذه الخطوة: إذا كانت الحكومة تستطيع خفض الأسعار والرسوم والجمارك فلماذا لم تقم بذلك منذ فترة، وهي ترى نار الأسعار تلهب جيوب المصريين؟ وإذا كانت لديها قدرة على كبح جماح التجار الجشعين فلماذا صبرت عليهم؟ وتمثل هذه النوعية من الأسئلة حرجا للحكومة، لأن الإجابات عنها تشير إلى ضعف سيطرتها أو التواطؤ على الناس، وفي الحالتين عليها أن تعيد ثقتهم في تصوراتها الاقتصادية كي تتمكن من خدمة الهدف الذي دفعها في هذا التوقيت إلى هذه الخطوة. المصريين يتحسبون من انعكاسات الحروب على واقعهم المعيشي، والحكومة لا تريد قلقا جديدا، فكان خيارها اللجوء سريعا إلى تخفيض الأسعار ويريد السيسي خوض انتخابات الرئاسة المقبلة والحصول على نسبة كبيرة من المؤيدين تعزز الثقة في ولايته الثالثة وتمنحه شرعية شعبية تساعده على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية وتمنحه هامشا في الحركة، ويواجه صعوبة لتحقيق هذا الهدف مع تألم فئة كبيرة من البسطاء من سياسات اقتصادية يتبناها تصب في صالح فئة أخرى. ولم تجد الحكومة المصرية وسيلة أفضل من استقطاب الفقراء وإعادة الأمل اقتصاديا إليهم سوى طمأنتهم بتخفيض الأسعار، وخفض الرسوم التي تزايدت الشكوى من الإفراط فيها مؤخرا لسد جزء من العجز في موازنة الدولة. واستهدف خفض الجمارك لمدة ستة أشهر تسهيل دخول البضائع المكدسة في الموانئ، ما يحمل إشارة إلى خفض أسعارها، وهي تحوي سلعا تهم شرائح مختلفة من المصريين. ولا تستبعد مصادر مصرية أن تكون لأحداث الحرب في قطاع غزة انعكاسات غير مباشرة على قرار الحكومة، من زاوية طمأنة المواطنين بأن هذه الحرب لن تؤثر على أسعار السلع الفترة المقبلة بعدما لجأ مسؤولون كبار في القاهرة إلى تبرير جزء معتبر من زيادة الأسعار الفترة الماضية بتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية. وأكدت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن المصريين يتحسبون من انعكاسات الحروب على واقعهم المعيشي، والحكومة لا تريد قلقا جديدا، فكان خيارها اللجوء سريعا إلى تخفيض الأسعار، لكن تظل قدرتها على الضبط والربط هي الفيصل، لأن فشلها يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة على صورة الرئيس – المرشح عبدالفتاح السيسي.
مشاركة :