تفتح التوافقات بشأن قوانين الانتخابات المحلية في مصر الباب أمام تمثيل المعارضة في مجالس المحليات، وهي خطوة يراها منتقدون بمثابة ترضية حكومية لمعارضيها وحرفا للنقاش العام حول الانتخابات الرئاسية المقبلة. القاهرة- تتحرك الحكومة المصرية نحو استرضاء قوى المعارضة بتخصيص مقاعد لها في انتخابات المحليات المعطلة منذ سنوات ولم يتحدد موعد إجراؤها بعد، وهو موقف غير مقنع لقوى معارضة تتمسك بأهمية حسم ملف الانتخابات الرئاسية التي باتت على بعد خطوات قليلة وتوفير ضمانات لإجرائها بصورة شفافة. ويثير استمرار الصمت الرسمي حيال ما يرتبط بالموعد المحدد لانتخابات الرئاسة التي من المتوقع أن تجرى قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل تساؤلات في أوساط المعارضة، وتخشى أن يكون الهدف من التركيز على الانتخابات المحلية داخل الحوار الوطني ثم خروجه من جلساته للرأي العام هو التشويش على الانتخابات الرئاسية. وأعلن ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني، أخيرا أنه تم تحقيق التوافق بين المشاركين في الحوار بشأن النظام الانتخابي للمحليات بواقع 75 في المئة للقوائم المغلقة المطلقة، و25 في المئة للقوائم النسبية، وهي صيغة تفتح الباب لحصول المعارضة على حصة تمكنها من التواجد في المجلس. وأعلنت الأحزاب المعارضة سابقا رفضها إجراء انتخابات مجالس محلية من قوى سياسية ذات لون واحد ولديها نفس القناعات المعادية لوجود أي صوت معارض، وهو ما تحاول الحكومة الاستجابة له عبر تخصيص “كوتة” أو عدد من المقاعد للمعارضة لضمان تمثيلها بلا منغصات سياسية كبيرة. أحمد بهاء شعبان: التجاوب مع مطالب المعارضة يعزز الثقة في الإصلاحات أحمد بهاء شعبان: التجاوب مع مطالب المعارضة يعزز الثقة في الإصلاحات وتكمن المشكلة في أن نظام القوائم قد لا يفرز كوادر قادرة على إحداث الفارق في المجتمع المحلي الذي لا ينشغل كثيرا بالسياسة، حيث يتم اختيار المرشحين في كل قائمة بطريقة أشبه بالتعيين وليس بناء على معايير واضحة، وقد تكون هناك شبهات مجاملة بين قوائم الأحزاب القريبة من دوائر السلطة، مقابل دعمها في الاستحقاق الرئاسي. وتطالب المعارضة بتوفير ضمانات كافية لانتخابات الرئاسة كي تحسم موقفها بشأن الدفع بمرشح يمثلها وتلتف حوله الأحزاب المنتمية إلى الحركة المدنية الديمقراطية، والتي تمثل أكبر طيف معارض، لكن ثمة إصرارا من الحكومة على عدم التطرق إلى الملف، ما تسبب في إرباك المشهد العام مع غموض الموقف من الاستحقاق الرئاسي. وتعتقد دوائر سياسية أن أي ترضية أو “رشوة” حكومية للمعارضة بشأن انتخابات المحليات يصعب أن تحويا ضمانات للتيارات المعارضة للحكومة، لأن المشهد الراهن يوحي بأن هناك محاولة للقفز على الاستحقاقات العاجلة والأكثر أهمية، وتوصيل إشارات إيجابية بانتخابات المحليات التي لا تشغل بال المعارضة كثيرا. وترغب الحكومة في عدم التركيز على ملف الانتخابات الرئاسية المثير للقلق حاليا حتى تتمكن من تجهيز سيناريو إخراجه سياسيا واستشراف خطوات المعارضة وطبيعة المرشحين المحتملين، ثم تقوم بإعداد خطتها لتجنب الصدام مع المعارضة. ولم يتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي رسميا عن ترشحه مرة أخرى حتى الآن، فيما أعلنت بعض الأحزاب المؤيدة للسلطة دعمها لخوضه الانتخابات، لكن هناك فريقا يفضل أن يأتي ترشيحه من الشعب مباشرة أو انطلاقا من مطالبات حزبية. وقد تكون للرئيس السيسي دوافع سياسية معينة لعدم التطرق إلى ملف انتخابات الرئاسة، وقد يعود ذلك أيضا إلى تصاعد حدة المشكلات الاقتصادية التي جعلت الكثير من المواطنين غير راضين عن تصورات الحكومة التي باتت في نظر الشارع مشكوكا فيها. وأظهرت السلطة المصرية من خلال جلسات الحوار الوطني أنها لا تمانع في وجود المعارضة في المشهد السياسي كي تمارس دورها بالمزيد من الحرية، واستعدادها لمنح المعارضة ترضيات خاصة في عدد المقاعد بالمحليات بنسبة 25 في المئة. وقال أحمد بهاء شعبان رئيس الحزب الاشتراكي لـ”العرب” إن “الحكومة مطالبة بالاهتمام بشواغل القوى السياسية طالما أنها مشروعة ومنطقية، وهذا جزء أساسي من صميم عمل الحوار الوطني فالتجاوب من جانب السلطة مع مطالب المعارضة يعزز الثقة في الإصلاحات التي تحتاجها مصر”. ولفت إلى أن المعارضة لا تطلب المستحيل عندما ترغب في حسم ملفات سياسية مصيرية وتحصل على ضمانات من الحكومة بشأن وجود تمثيل عادل للتيار المدني في انتخابات المحليات، بينما الاستحقاق الرئاسي يحتاج إلى تعامل من نوع خاص. اقرأ أيضا: • وصفة ماسبيرو: القوة الناعمة المصرية واستعادة المكانة • مفاجآت سياسي مصري وتبدو المعارضة غير منشغلة بهموم المواطن العادي على قدر اهتمامها بتحقيق مكاسب سياسية والضغط على السلطة للاستجابة لرغباتها بشأن الإفراج عن العديد من المعتقلين أو تعديل التشريعات المرتبطة بالحريات أو توفير ضمانات شاملة لخوض أي انتخابات، بما يجعلها موجودة في المشهد. وطالب الرئيس السيسي بأن تقوم المعارضة بتقديم حلول واقعية للمشكلات الراهنة، متعهدا بالترحيب بأي مقترح يضمن تحسين الأوضاع الراهنة، لكن القوى المدنية لم تبادر بخطوة مماثلة لمشاركة الحكومة في البحث عن حل يمكن تطبيقه على الأرض. وتتمسك الحكومة بالمضي قدما في تحديد الأولويات السياسية والاقتصادية وفق رؤيتها، لا بناء على ضغوط من قوى معارضة تبحث غالبيتها عن منافع ذاتية وتختزل مصالحها في تحقيق مكاسب سياسية، مع أن هناك قضايا تستدعي التوافق الوطني. ولم تستثمر المعارضة حالة الانفتاح النسبي في المشهد السياسي لتجبر الحكومة على الانصياع لوجهة نظرها في الاستحقاق الرئاسي، وطالما بقيت في نفس الحالة تستخدم الصوت العالي والإيحاء بالمضايقات فقط، فستمنح الحكومة فرصة تمرير ما تراه مناسبا لها دون توافق مع المعارضة ما دامت بلا أنياب سياسية ولا قواعد شعبية. وتشعر قوى معارضة بأن حسم ملف مهمش سياسيا مثل المحليات هو محاولة لإظهار أهمية الحوار الوطني، مع أن ما انتهى إليه من شكل الاستحقاق المحلي صورة من التشريع الذي ناقشه مجلس النواب العام الماضي. وناقش البرلمان في العام الماضي مشروع قانون تقدم به أعضاء متناغمون مع الحكومة يحدد الإطار الحاكم لقانون انتخابات المجالس المحلية، ومن أهم بنوده إقرار العمل بالقائمة المطلقة والنسبية، لكنّ هناك توجها لإعادة إظهار الحكومة بأنها حسنة النوايا تجاه الانتخابات الرئاسية من خلال إعلان رؤيتها للانتخابات المحلية.
مشاركة :