عرّف إرفنج جوفمان (عالم نفس اجتماع أميركي كندي المولد وكاتب، يعتبره البعض عالم الاجتماع الأميركي الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين) وصمة العار بأنها "العملية التي من خلالها يؤدي رد فعل الآخرين إلى إفساد الهوية الطبيعية". ردود الفعل هذه تأتي من الأحكام المسبقة على الشخص بناءً على معلومات محدودة. تؤدي الوصمة إلى التصنيف والتحيز والقوالب النمطية والانفصال وفقدان المكانة والتمييز السلبي. وبالتالي يمنع العديد من الأفراد المصابين بأمراض نفسية من الحصول على العلاج. يعد الخجل وتدني احترام الذات لدى الأفراد المصابين بمرض عقلي من المنتجات الثانوية الشائعة للوصم. يمكن استيعاب الوصمة المجتمعية للمرضى النفسيين، مما يهدد نوعية الحياة، ويعطل العلاقات الاجتماعية، ويقلل من احتمالية سعي الأشخاص المصابين بمرض نفسي للحصول على خدمات الصحة النفسية أو الحصول على عمل. ولذلك تعتبر الوصمة عائقًا أمام التعافي من المرض النفسي، حتى بالنسبة للأفراد الذين يتلقون العلاج. لمحة تاريخية عن خدمات الصحة النفسية في الشرق الأوسط: تتمتع منطقة الشرق الأوسط بتاريخ عريق في مجال خدمات الصحة النفسية؛ تم بناء أول مستشفيات الطب النفسي في العالم في بغداد عام 705 م، وفي القاهرة عام 800 م، ودمشق عام 1270 م. هناك سجلات لأطباء مسلمين مثل الرازي الذي كتب موسوعة طبية مكونة من 24 مجلدًا وعالج المرضى النفسيين. كتب ابن سينا وهو عالم مسلم آخر في الرعاية الصحية النفسية، "قانون الطب"، وهو مجلد مكون من 14 مجلدًا تم استخدامه في الغرب لأكثر من 700 عام. من ناحية أخرى، نظرت المعتقدات الشعبية في ثقافات الشرق الأوسط تقليديًا إلى المرض النفسي باعتباره عقابًا أو نتيجة حيازة الأرواح الشريرة (الجن)، أو آثار "العين الشريرة"، أو آثار الشر في الأشياء التي يتم نقلها إلى الفرد. ولم يتفق علماء مثل ابن سينا مع هذه التفسيرات الخارقة للطبيعة. من الصمت إلى القوة: مواجهة وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي: كانت الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي موجودة قبل أن يصبح الطب النفسي نظامًا رسميًا، ولكن لم يتم تصنيفها وتعريفها رسميًا على أنها مشكلة مجتمعية حتى نشر كتاب جوفمان. تعد الأمراض النفسية من بين الحالات الأكثر وصمة عار، بغض النظر عن التشخيص النفسي المحدد، على عكس الأمراض الأخرى، لا يزال البعض يعتبر المرض النفسي علامة ضعف، ومصدرًا للخجل والعار. يشعر العديد من المرضى النفسيين بالقلق بشأن الطريقة التي سينظر بها الناس إليهم إذا أصبحت المعرفة بحالتهم علنية. تتكون الوصمة من وصمة عار شخصية أو عامة. وصمة عار عامة: تتكون الوصمة العامة من ثلاثة مكونات رئيسية: الصور النمطية، والتحيز، والتمييز. تعتمد الصور النمطية على المعرفة المتاحة لأعضاء المجموعة وتوفر طريقة لتصنيف المعلومات حول المجموعات الأخرى في المجتمع. تولد الصور النمطية بسرعة انطباعات وتوقعات حول الأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعة معينة. ويتفق الأشخاص المتحيزون مع هذه الصور النمطية السلبية، وتؤدي هذه المواقف إلى التمييز من خلال السلوكيات السلبية تجاه الأفراد المرضى نفسيا. هذه التصورات السلبية تخلق الخوف والبعد الاجتماعي عن الأشخاص المصابين بأمراض نفسية. عندما يؤيد الأفراد هذه المعتقدات الوصمية، فإنهم يظهرون مستويات أعلى من التجنب ورفض مساعدة شخص يعاني من تشخيص نفسي. على الرغم من أن وسائل الإعلام يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تحسين الفهم العام للأمراض النفسية، إلا أنها أحيانا تسيء تصوير الأفراد المصابين بأمراض نفسية على أنهم يشكلون خطرًا على المجتمع وصمة عار شخصية: تتكون الوصمة الذاتية من نفس مكونات الوصمة العامة، وهي القوالب النمطية، والتحيز، والتمييز. تحدث القوالب النمطية عندما يستوعب الشخص المواقف السلبية تجاه الأمراض النفسية، مما يؤدي إلى رد فعل عاطفي سلبي وتدني احترام الذات. يعاني معظم المرضى النفسيين من الوصمة الذاتية عبء وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية: لوصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية آثارًا عميقة على الأفراد والمجتمع. وصمة العار يمكن أن: 1. منع طلب المساعدة: يثني الأفراد عن طلب المساعدة خوفًا من الحكم والتمييز. 2. تأخير العلاج: قد يؤخر الأشخاص العلاج أو يتجنبونه، مما يؤدي إلى تفاقم حالات الصحة النفسية. 3. العزلة الاجتماعية: قد يتعرض الأفراد الموصومون للعزلة والتمييز، مما يؤدي إلى تفاقم صحتهم النفسية. 4. انخفاض نوعية الحياة: يمكن أن تؤدي الوصمة إلى تدني احترام الذات، وانخفاض نوعية الحياة، وضعف الأداء. 5. الأثر الاقتصادي: يمكن أن يؤدي إلى فقدان الإنتاجية وزيادة تكاليف الرعاية الصحية. مزايا الحد من وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية: إن الحد من وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية له العديد من المزايا المهمة. 1. نتائج علاج أفضل: عندما يشعر الأفراد بالراحة عند طلب المساعدة، فمن المرجح أن يشاركوا في العلاج، مما يؤدي إلى تحسين التعافي وإدارة حالات الصحة النفسية. 2. الإنتاجية في مكان العمل: يمكن لمكان العمل الخالي من الوصمة أن يعزز الإنتاجية ويقلل من التغيب عن العمل، حيث من المرجح أن يطلب الموظفون المساعدة عند الحاجة ويحافظون على صحة نفسية جيدة. 3. تقليل العزلة الاجتماعية: يمكن أن تساهم الوصمة في العزلة الاجتماعية. يمكن أن يساعد تقليله الأفراد على بناء علاقات داعمة والحفاظ عليها، مما يقلل من مشاعر الوحدة بشكل عام، فإن الحد من وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية يفيد الأفراد والمجتمعات والمجتمع ككل من خلال تعزيز نهج أكثر تعاطفًا وتفهمًا للصحة النفسية. التوصيات للحد من وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية: يتضمن الحد من وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية زيادة الوعي وتعزيز التفاهم. فيما يلي بعض الطرق للمساعدة: 1. التعليم: تشجيع تعليم الصحة النفسية في المدارس وأماكن العمل لتعزيز التفاهم والتعاطف. 2. محادثات مفتوحة: شارك تجاربك الشخصية أو قصصك لتطبيع المناقشات حول الصحة النفسية. 3. تصوير وسائل الإعلام: الدعوة إلى تصوير مسؤول ودقيق للصحة النفسية في وسائل الإعلام. 4. أهمية اللغة: تعزيز اللغة المحترمة وتجنب المصطلحات المهينة عند مناقشة الصحة النفسية. 5. البيئات الداعمة: قم بإنشاء مساحات آمنة حيث يمكن للناس التحدث بصراحة عن صحتهم النفسية دون خوف من الحكم. 6. حملات مكافحة الوصمة: دعم أو المشاركة في الحملات التي تهدف إلى الحد من وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية. 7. خدمات الصحة النفسية: الدعوة إلى تحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية لإثبات أهمية طلب المساعدة. 8. التعاطف والرحمة: كن متعاطفًا ومتفهمًا عندما يتحدث شخص ما عن صراعاته المتعلقة بصحته النفسية. 9. كن قدوة يحتذى بها: شجع ثقافة القبول والدعم في مجتمعك ومكان عملك. إن الحد من الوصمة هو عملية مستمرة تتطلب جهدًا والتزامًا جماعيًا. وأخيرا: إن تحسين نوعية الحياة وإطلاق العنان لإنتاجية الفرد والمجتمع لا يكتمل حتى يشمل الأفراد الذين يعانون من حالات الصحة النفسية. يعد كسر الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية خطوة أساسية نحو تحقيق هذا الهدف. من خلال معالجة وصمة العار بشكل فعال وتحديها، يمكننا إنشاء عالم أكثر تعاطفا وتفهما وشمولا حيث يمكن للجميع، بغض النظر عن صحتهم النفسية، أن يزدهروا. أخبار ذات صلة جامعة زايد توعي بالصحة النفسية للمجتمع «جدارية الأمل» في مستشفى الأمل للصحة النفسية وأختتم بأبيات شعرية للمتنبي حيث يعزو أعراض جسدية إلى أسباب نفسية: يَقولُ لي الطَبيـبُ أَكَلـتَ شَيئًـا " " وَداؤُكَ فـي شَرابِـكَ وَالطَعـامِ وَمـا فـي طِبِّـهِ أَنّـي جَـوادٌ " " أَضَـرَّ بِجِسمِـهِ طـولُ الجِمـام تَعَـوَّدَ أَن يُغَبِّـرَ فـي السَرايـا " " وَيَدخُـلَ مِـن قَتـامِ فـي قَتـام فَأُمسِـكَ لا يُطـالُ لَـهُ فَيَرعـى " " وَلا هُوَ في العَليـقِ وَلا اللِجـام أحمد العزير استشاري الطب النفسي
مشاركة :