خالد القشطيني: بطولات امرأة مسلمة

  • 1/3/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

طالما يزعجني أن أقرأ أو أسمع حكايات لص أو سمسار أو مزور مسلم أو أي مجرم أو مخالف أو متخلف مسلم تضج بأمره وسائل الإعلام الغربية والرأي العام الغربي، في حين يتجاهلون أمر المسلم الذي يقدم خدمات وإنجازات ترفد مجتمعهم وتحسن حياتهم. اجتاحني مرة أخرى هذا الشعور بالقرف وبعدم التوازن وأنا أتابع النصب التذكاري الذي أقاموه مؤخرا للفتيات اللواتي قمن بعمليات خطيرة خلال الحرب العالمية الثانية ضد الحكم النازي. وإذا بي أجد بينهن هذه الشابة المسلمة، الأميرة نور عنايت خان. أميرة جاءت من الهند لبريطانيا مع أسرتها قبيل الحرب. درست سيكولوجيا الأطفال، ونشرت عدة أبحاث أكاديمية، منها كتاب عن الأديان في الهند. كانت فتاة واعية فكريا وآمنت بفلسفة غاندي والجهاد المدني (اللاعنف). وعندما لاحظت الخطر الفاشي والنازي يهدد العالم، تطوعت للجيش البريطاني لتسهم في مقاومة هتلر. كانوا يبحثون عن مجموعة من النساء يتطوعن للتسلل وراء الخطوط الألمانية والقيام بعمليات تخريب وتجسس وتعاون مع حركة المقاومة السرية (الأندرغراوند). انضمت وهي في العشرينات من عمرها لهذه المهمة التي تطلبت معرفة جيدة باللغتين الفرنسية والألمانية وثقافة عالية وذكاء حادا. قبلوها ودربوها على الهبوط بالباراشوت واستعمال اللاسلكي والشفرة. ثم ألقت بها طائرة تجسس خاصة في غابات الريف الفرنسي وراء الخطوط الألمانية، بعد أن زودوها بجهاز لاسلكي وخريطة للمنطقة وبوصلة. وكأول امرأة تلتحق بهذه الوحدة، وحدة العمليات السرية للقوة الجوية البريطانية، هبطت بالباراشوت في ليل معتم ومنطقة موحشة. اتبعت الخريطة للوصول إلى رجال المقاومة. انضمت إليهم وبدأت في تنظيمهم للقيام بعمليات تخريبية كنسف الجسور والسكك حسب التوجيهات من قيادتها في لندن. وخلال ذلك واصلت تزويدها بالمعلومات العسكرية المتعلقة بحركات الجيش الألماني. وراحت تتنقل من جبهة لجبهة لتقوم بشتى المهمات التي كلفوها بها باللاسلكي. بيد أن أعين الغستابو والمخابرات الألمانية لم تكن نائمة، فتعقبوا أمرها وتحركاتها كامرأة غريبة عن المنطقة حتى أطبقوا عليها واعتقلوها بعد وشاية من أحد زملائها المزدوج الهوية. وبدأت مرحلة التعذيب والاستنطاق. كان همهم الحصول منها على رموز الاتصال بالمخابرات البريطانية ليشوشوا الإنجليز ويضللوهم بإعطائهم معلومات كاذبة. لكن هذه الصبية المسلمة الوافدة من أعماق آسيا صمدت في وجوههم وأعجزتهم عن الحصول على أي معلومات مفيدة منها. راحوا ينقلونها من مركز تحقيقات إلى مركز آخر، فرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، من دون أن يحظوا بمرادهم. استطاعت أن تهرب منهم، لكنهم تمكنوا من تعقبها واعتقالها ثانية. يئسوا منها أخيرا فبعثوا بها لمعتقل دونشاو الرهيب مع أمر يقول: «تعدم بحيث لا يبقى منها أي أثر». وبعد نوبة وداعية أخرى من التعذيب أطلقوا الرصاص عليها ثم أحرقوها. بقيت حكايتها في طي الكتمان حتى استطاع البروفسور حسين تسليط الأضواء عليها، فمنحتها الملكة أعلى وسام مدني في بريطانيا. تغمدها الله برحمته الواسعة.

مشاركة :