في هذه الأزمة التي يمر بها العالم الإسلامي انتشرت في العالم فوبيا الخوف من الإسلام Islamphobia التي أدت إلى مضايقة المسلمين في الغرب. سجل المسلمون البريطانيون صفحة رائعة في غسل هذه الشبهة والارتقاء براية «لا إله إلا الله» كراية حضارية سلامية تعتز بها البشرية. حصل ذلك في احتفالات عيد الفطر حين تدفق نحو أربعين ألف مواطن من شتى الجنسيات والديانات لمهرجان العيد في متنزه برجس بارك، شمال إنجلترا، وعدة ألوف لساحة الطرف الأغر، قلب لندن النابض، للاحتفال بالمناسبة. كانت هناك فرق موسيقية وغنائية قدمت خلالها أناشيد دينية ومدائح نبوية بالإضافة إلى المقطوعات الفلكلورية وإيقاعات موسيقى البوب. وبالطبع قد خرج القوم توا من شهر الصيام، فقد عبقت في الجو روائح شتى المشاوي من كباب وكفتة ونقانق، وأكلات الكاري المتنوعة. نظم في ساحة الطرف الأغر «ممشى القطط» (عروض أزياء) لشتى الملابس الوطنية والفلكلورية والفساتين المبتكرة التصميم. ولكن لمَ ذلك، والكثير من الحضور النسائي تألق بالألوان البهيجة المزدانة بالذهبي والفضي والجواهر. أعطى كل ذلك هذه المهرجانات التي تكررت أيضا في مدن أخرى، حيث وجد المسلمون، مسحة وبهرجة احتفالية كرنفالية تسر الناظرين. رغم ما لوحظ من كدر وقنوط بسبب ما تعرض له إخوانهم في غزة، مما أوحى لبعض الباعة بالإعلان عن تبرعهم بأثمان كل مبيعاتهم لضحاياها. نقلت وسائل الإعلام البريطانية مشاهد من هذه المهرجانات وأعطتها أمهات الصحف الصدارة في صفحاتها الأولى. الطريف فيها أنها لم تكن مقصورة على المسلمين وإنما حضرها وشارك فيها واستمتع بها سائر المواطنين. لقد استبشرت فيها بما حملته من مدلولات ودروس. فمهرجانات بهذه الضخامة تتطلب الكثير من التنظيم كتوفير المرافق الصحية ووسائل الإسعاف والطبابة وجمع القمامة ومراقبة الأمن بالإضافة لكل المعدات الإلكترونية اللازمة من صوتيات ومرئيات. وقد أظهر المسلمون هنا كفاءاتهم واستعداداتهم لكل ذلك. بيد أن العنصر المشجع حقا، كان سيادة الأمن والنظام. من المعتاد للمهرجانات الكبرى أن يشوبها كثير من الأعمال الإجرامية، نشل وسرقات واعتداءات ومصادمات وأفعال مخلة بالآداب العامة، سكر ومخدرات وعربدات، ونحو ذلك. بيد أن الشرطة البريطانية لم تملك غير أن تعبر عن ارتياحها للمسلمين لما تميزت به مهرجاناتهم من تمسك بالنظام واحترام للأخلاق والآداب. لم تحصل أي أفعال جنائية. هذه ميزة مهمة يظهر فيها المسلمون جذورهم الحضارية وتمسكهم بالقانون والنظام وسلوكهم المسالم والمنفتح وقدراتهم على المساهمة وإغناء مجتمعهم الجديد. الإسلام ليس «داعش» ولا «القاعدة» ولا هؤلاء النفر من الأفاقين والإرهابيين. الإسلام دين بناء لا دين تخريب وتهديم. دين حرية وانعتاق ومشاركة، ها هن الفتيات المسلمات يشاركن الحضور بثيابهن البهيجة ومكياجهن الأصيل. لا أحد يعتدي عليهن أو يسألهن أو يملي عليهن. والمسلمون قادرون على التنظيم وتقديم ما يضفي على مجتمعهم من مسرات وحسنات.
مشاركة :