أكدت دولة الكويت اليوم الاثنين إيمانها الراسخ بالتعاطي الإيجابي مع مسائل حقوق الانسان كافة وحمايتها باعتبار ذلك خيارا استراتيجيا تبنته منذ عقود، مشددة على أن نهجها في التفاعل معها متكامل ويشمل أيضا القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.جاء ذلك في كلمة دولة الكويت التي ألقاها مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف السفير ناصر الهين خلال مناقشة التقرير الدوري الرابع الخاص بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالأمم المتحدة والمتواصلة منذ أمس الأحد إلى اليوم الاثنين.وأكد السفير الهين أن دولة الكويت قد انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وصادقت عليه بعد استيفاء الإجراءات الدستورية نتيجة لقناعة راسخة منها بأهميته مع تحفظاتها على عدد من البنود لتعارضها مع أحكام الدستور والتشريعات الكويتية التي تستند إلى الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرا رئيسا للتشريع وأنها ستطبق في هذه الحالات قانونها الوطني.وقال إن دولة الكويت وجدت نفسها كما والعالم أجمع أمام تحديات وقيود غير مسبوقة على التجمعات العامة والتنقل لما فرضته الضرورة المرتبطة بالصحة العامة إثر الجائحة التي تسبب فيها فيروس كورونا، إلا أنها حرصت على إجراء الانتخابات البرلمانية في وقتها مع اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية المطلوبة.وأضاف أن هذه الجائحة فرضت واقعا جديدا دفع العالم إلى اللجوء لاستخدام التقنيات الرقمية بشكل موسع وصاحب ذلك تحد آخر حول حماية الحق في الخصوصية لا سيما فيما يتعلق بحماية بيانات المستخدمين، مشيرا إلى أن دولة الكويت استشعرت أهمية تطوير تدابيرها الوطنية في هذا المجال وأنشأت على إثرها المركز الوطني للأمن السيبراني بموجب المرسوم الأميري رقم 37 لسنة 2022.وأوضح السفير الهين أن دولة الكويت حققت إحدى أعلى النسب العالمية المسجلة في توفير اللقاحات لجميع المواطنين والمقيمين على حد سواء ودون تمييز إلى جانب توفير المحاجر الصحية ما نال تقدير منظمة الصحة العالمية وإشادتها.وأضاف أن دولة الكويت تضامنت كذلك مع دول العالم في دعم الجهود الدولية لمحاربة الجائحة عبر تقديم أكثر من 327 مليون دولار كمساهمات مالية لعدد من المنظمات والوكالات الدولية ذات الصلة.ولفت السفير الهين إلى أن دولة الكويت وإيمانا منها بأهمية صون حقوق الإنسان وتعزيزها وإعلائها فقد أنشأت الديوان الوطني لحقوق الإنسان الذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلالية في ممارسة ولايته، موضحاً أن لجنة الشكاوى والتظلمات في الديوان تلقت خلال الفترة من عام 2021 إلى اليوم 213 شكوى أحيل 159 منها على الجهات المعنية وتم إرشاد 16 حالة بالإجراءات الواجب اتباعها فيما تم حفظ ما تبقى من الشكاوى لعدم الاختصاص.وتابع أن اللجنة نفسها قامت منذ عام 2019 بأكثر من 20 زيارة ميدانية أثمرت عن رفع أكثر من 26 توصية تفاعلت معها الجهات ذات الصلة بإيجابية.وقال إن دولة الكويت ستسعى إلى الاستفادة من كل التعليقات وأفضل الممارسات الدولية إدراكا منها بأنها جزء من المجتمع الدولي وحياتنا مترابطة بشكل لا يمكن تجزئته وأننا نعيش في بيئة إقليمية ودولية مشتركة علينا التفاعل معها.كما أكد أن وزارة الخارجية الكويتية قد قامت في عام 2019 برفع المستوى التنظيمي وإنشاء مكتب لحقوق الإنسان ليكون بمنزلة حلقة وصل بين المنظمات الدولية ومؤسسات الدولة ومتابعة الجهود الوطنية ذات الصلة في حقوق الإنسان ثم تطوير هذه الوحدة الإدارية إلى مستوى إدارة تتولى مسؤوليتها القيادية.وفي الوقت ذاته شدد السفير الهين على أن دولة الكويت لا تدخر جهدا في مجال غرس مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان وتعزيزها على المستويات كافة عبر نشر التوعية من خلال تنظيم الدورات التدريبية وورش العمل والمناهج الدراسية بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.وأشار في هذا السياق إلى إنشاء وزارة العدل في عام 2018 اللجنة الوطنية الدائمة للقانون الدولي الإنساني برئاسة وزير العدل تختص بدراسة التشريعات الوطنية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني والأحكام القضائية في ضوء الالتزامات المنبثقة عن الصكوك الدولية ذات الصلة.وبين أن اللجنة عقدت منذ إنشائها عددا من الدورات التدريبية والبرامج التعريفية لنشر الوعي بالقانون الدولي الإنساني خاصة بين أوساط رجال القضاء والقانون ومؤسسات إنفاذ القانون.وأكد أن السلطة القضائية في دولة الكويت مهتمة ببناء قدرات العاملين لديها حيث عقدت خمس دورات تدريبية في هذا المجال نظمها معهد الدراسات القضائية والقانونية خلال الفترة من 2019 إلى 2022 فيما أدرجت مادة القانون الدولي لحقوق الإنسان ضمن المنهج التدريبي لمعهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية خلال الموسم التدريبي (2023 - 2024).وقال إنه في إطار التفاعل مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان كانت دولة الكويت من ضمن الدول القلائل التي استجابت لدعوة مكتب المفوضية في يونيو 2023 وتزويدها بمقترحاتنا حول المرحلة الخامسة للبرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان وذلك إيمانا من دولة الكويت بأهمية الدور التوعوي في هذا المجالوشدد السفير الهين على أن دولة الكويت تولي اهتماما كبيرا لحقوق الأسرة وحمايتها في النظام القانوني والاجتماعي الكويتي مستمدة ذلك من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والمادتين (9) و (10) من الدستور الكويتي بما ينسجم مع المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.وشرح أن من هذه المبادئ جاء اهتمام دولة الكويت بالمرأة والطفل كونهما جزءا أساسيا في تكوين الأسرة واستقرارها وفي هذا السياق أولى المشرع الكويتي اهتماما خاصا بالأسرة فأصدر القانون رقم 16 لسنة 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري وأصدرت اللائحة التنفيذية المنظمة له.وأضاف أنه بموجب هذا القانون كذلك تم تشكيل اللجنة الوطنية للعنف الأسري وبلغ خلال عام 2022 عدد المستفيدين من مركز الحماية (فنر) من حالات العنف الأسري 66 حالة تشمل جميع الجنسيات استفادت من الخدمات النفسية والاجتماعية التي يقدمها هذا المركز.وأشار إلى أن المجلس الأعلى للأسرة شكل في عام 2020 خلال جائحة (كوفيد 19) فريقا للتدخل السريع لرصد ومتابعة ضحايا العنف الأسري والموجه تحديدا ضد المرأة والطفل مع اتخاذ كل التدابير المتعلقة بتنفيذ المادة (79) من قانون حقوق الطفل.كما أكد مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف السفير ناصر الهين أن مصلحة الطفل وحمايته تحظيان بعناية كبيرة لدى مختلف أجهزة الدولة حيث قام المجلس الأعلى للأسرة أخيرا بوضع استراتيجية خاصة لتحقيق هذا الغرض بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة في دولة الكويت ويعكف حاليا على توفير مراكز خاصة لحماية الطفولة وفقا للمعايير الدولية المعتمدة إلى جانب تزويدها بكوادر متمرسة للتعامل مع هذه الحالات.كما أشار في هذا السياق إلى افتتاح مكتب لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بدولة الكويت في نوفمبر 2020 وتنظيم ورشة عمل تشاورية مع مكتب المنظمة في يوليو 2022 لبحث سبل تعزيز نظام حماية الطفل في دولة الكويت وزيادة الإلمام بأفضل الممارسات العالمية.وقال السفير الهين إن دولة الكويت حريصة على استمرار مساهماتها المالية لدعم خطط الاستجابة الإنسانية التي تنفذها (اليونيسف) في مختلف الأزمات الإنسانية العالمية وكان أحدثها تقديم 17 مليون دولار في فبراير الماضي لدعم جهودها للاستجابة لضحايا الزلزال المدمر في تركيا وسوريا.كما لفت إلى تعاون دولة الكويت مع المكلفين بالولايات والفرق العاملة في إطار الإجراءات الخاصة للاستفادة من ملاحظاتهم وتعليقاتهم حول مختلف المسائل المواضيعية حيث قامت المقررة الخاصة بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم بزيارة علمية لدولة الكويت في مايو الماضي للمشاركة في مشاورات إقليمية بالتعاون مع الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية وأشادت خلال زيارتها بالإنجازات التي حققتها حكومة دولة الكويت في هذا المجال.وقال إن دولة الكويت تهتم بتعزيز حقوق المرأة ودأبت على العناية بها لضمان تمتعها بحقوقها كافة دون تمييز بتأكيد من الدستور الكويتي في مواضع عدة ومن أبرزها المادتان (7) و(29).وأضاف أن دولة الكويت واصلت جهودها في هذا الجانب عبر انضمامها إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1994 وحددت في عام 2015 تاريخ 16 مايو من كل عام يوما للمرأة الكويتية تكريما لها وعرفانا بدورها.كما أكد عدم وجود أية قيود أمام المرأة الكويتية تحول دون تقلدها أي وظائف أو مناصب قيادية حيث تقدمت دولة الكويت 13 مرتبة في مؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2022 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.وفي هذا السياق استعرض السفير الهين بعض المكاسب التي حصدتها المرأة الكويتية عاما بعد عام حيث استطاعت أن تتبوأ مناصب قيادية وسياسية مثل وزيرة ووكيلة وزارة ووكيلة مساعدة وسفيرة ونالت عضويتي مجلس الأمة والمجلس البلدي وتنامى تمثيلها في عدد من المجالات المختلفة لا سيما السلك القضائي والدبلوماسي والعسكري والشرطة والإطفاء والقطاع النفطي والقطاع الخاص إلى جانب غيرها من المجالات الحيوية.وأوضح أن ذلك تجلى في الإحصائيات الرسمية التي تشير إلى بلوغ المرأة الكويتية نسبة 58 في المئة من إجمالي القوى الوطنية العاملة ومن هذه النسبة تتبوأ 28 في المئة منهن مناصب قيادية.وذكر السفير الهين أنه في قرار تاريخي من مجلس القضاء الأعلى في يوليو 2020 تم ولأول مرة تعيين ثماني قاضيات في السلك القضائي وبلغ عددهن اليوم أكثر من 50 امرأة يعملن في السلك القضائي.كما أشار إلى أن حصة المرأة في القطاع الخاص تشكل ما نسبته 48 في المئة فيما ترتفع هذه النسبة إلى 60 في المئة في القطاع العام إلى جانب أن 75 في المئة من النساء يعملن في المجالات العلمية وخاصة في مجالي الهندسة والطب.وقال إن من ثمار بناء قدرات العاملين في السلك القضائي في مجال حقوق الإنسان الذي حملته على عاتقها السلطة القضائية عبر معهد الدراسات القضائية والقانونية صدرت أحكام قضائية عدة تلغي صورا للتمييز بين الرجل والمرأة مثل الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (15) من القانون رقم 11 لسنة 1962 وتعديلاته الذي يقيد حصول الزوجة على جواز سفر بعد موافقة الزوج وذلك انسجاما مع المادة (12) من العهد الخاصة بحرية التنقل.وأضاف أن القضاء الكويتي ألغى كذلك تعيين مجموعة من الخبراء في وزارة العدل نتيجة الإخلال في إعمال حق المساواة في تقلد الوظائف العامة والواردة في المادة (25) من هذا العهد.وقال السفير الهين إن دولة الكويت تتمتع بانفتاح في مناقشة مواضيع حقوق الإنسان فعند إعداد التقارير الوطنية التي سوف تناقش أمام الهيئات الدولية التعاقدية تحرص على الاستماع لمؤسسات المجتمع المدني المشهرة من خلال سلسلة لقاءات تشاورية بغية الوقوف على ملاحظاتها واستفساراتها حيال تقارير دولة الكويت المزمع تقديمها.وقال إن انفتاح وسائل الإعلام وطباع المجتمع الكويتي المنفتح والديناميكي إلى جانب وجود برلمان تبث جلساته عبر مختلف القنوات الإعلامية قد أسهمت في جعل عملية التواصل وتبادل الآراء حول مختلف القضايا متاحة للجميع سواء لمنظمات المجتمع المدني أو للأفراد المستقلين.ولفت السفير الهين إلى اعتماد مجلس حقوق الإنسان بالإجماع للتقرير الوطني الثالث حول حقوق الإنسان ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل في يوليو 2020 حيث تعاملت دولة الكويت بكل جدية مع التوصيات الموجهة إليها.وشرح أن الكويت قد قبلت 230 توصية وأخذت علما ب 12 توصية وقبلت جزئيا بست توصيات في حين رفضت 54 توصية فقط لتعارضها مع أحكام الدستور الكويتي والشريعة الإسلامية وعدم انسجامها مع الهوية الوطنية وقيم المجتمع وثقافته.وشدد السفير الكويتي على أن «بعض التوصيات المرفوضة مكررة وسبق أن تم رفضها وقد اعترفنا أمام مجلس حقوق الإنسان أنه على الرغم من الإنجازات التي حققناها على الصعيدين المحلي والدولي فإننا ندرك أهمية مواصلة تحسين وتعزيز حقوق الإنسان».ونوه في هذا السياق إلى أن البلدان التي لديها ممارسات ديموقراطية راسخة تعرضت أيضا للنقد من مجلس حقوق الإنسان وأن دولة الكويت ليست استثناء من ذلك.وأشار إلى الثقة التي نالتها دولة الكويت الأسبوع الماضي عبر انتخابها عضوا في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للفترة من 2024 إلى 2026 بإجمالي 183 صوتا الأمر الذي يعكس مدى احترام المجتمع الدولي لسجل الكويت الوطني في مجال حقوق الإنسان.
مشاركة :