منطقة الساحل.. خريطة جديدة للنفوذ

  • 10/20/2023
  • 00:21
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

متابعة الخليج 365 - ابوظبي - د. أحمد سيد أحمد* تتشكل في منطقة الساحل والصحراء خريطة نفوذ جديدة للقوى الكبرى، حيث تحل روسيا والصين محل فرنسا، صاحبة النفوذ التقليدي كدولة استعمار سابقة، بينما تسعى أمريكا إلى استعادة نفوذها وتعزيزه في هذه المنطقة، وهو ما كشفت عنه التطورات الأخيرة التي شهدتها دول الساحل والصحراء، خاصة في مالي وتشاد وبوكينا فاسو والنيجر وغينيا، وغيرها. انحسر النفوذ الفرنسي في دول الساحل والصحراء بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مع تزايد الانقلابات العسكرية في تلك الدول، وتبنّي الأنظمة الجديدة توجهات عدائية مع فرنسا، التي دافعت عن الأنظمة القديمة، ما اعتبرته شعوب تلك الدول متعارضاً مع رغباتها وتوجهاتها، وأن فرنسا تدعم أنظمة معينة حليفة لها في دول الساحل والصحراء لخدمة مصالحها، حيث تتهم تلك الدول فرنسا بأنها تمارس سياسة الاستعمار القديمة، ولكن بأشكال مختلفة. فالاستعمار العسكري حل محله الاستعمار الاقتصادي مع استمرار استنزاف ثروات هذه الدول بثمن منخفض، ما أدى لتنامى تيار العداء تجاه فرنسا.. وقد انعكس ذلك في العديد من دول الساحل، مثلما حدث في تشاد وقيام فرنسا بسحب قوتها العسكرية(برخان)، التي أنشأتها عام 2013 لمحاربة الإرهاب في تلك المنطقة، بعد تصاعد نفوذ التنظيمات «المتطرفة»، كذلك سحب قوتها العسكرية،(الكوماندوز) من بوركينا فاسو، ثم أخيراً سحب قوتها العسكرية المشكلة من 1500 جندي في النيجر بعد الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخراً، وإزاحة الرئيس محمد بازوم، وتولي المجلس العسكري السلطة هناك وتبنّي فرنسا موقفاً معارضاً لهذه التغيرات، ودفاعها عن الرئيس بازوم، والإصرار على عودته، بل وتبنيها لتوجه التدخل العسكري ودعم قوات غرب إفريقيا (الأيكواس)، للتدخل العسكري في النيجر، ما أدى لتنامي الشعور بالعداء تجاه فرنسا، وأفضى إلى طرد السفير الفرنسي، وإنهاء تواجد القوات الفرنسية هناك. هذا الانحسار للنفوذ الفرنسي نتج عن سياسات فرنسا في التعامل مع الدول الإفريقية حيث يتهمها البعض باستمرار منطق التبعية وليس علاقات الندية، إضافة إلى استنزاف الموارد الطبيعية لهذه الدول، فعلى سبيل المثال تستحوذ فرنسا على صادرات النيجر من اليورانيوم الذي يشغل المحطات النووية في فرنسا، والتي توفر أكثر من 70% من الكهرباء، كذلك استنزاف المعادن الأخرى، إضافة إلى تبنّي فرنسا مواقف اعتبرتها الأنظمة الجديدة في تلك الدول معادية. فرنسا بررت تواجدها في هذه المنطقة بأنها لعبت دوراً مهما في محاربة الإرهاب، ولولا هذا الدور لكانت العديد من عواصم دول الصحراء سقطت في قبضة التنظيمات الجهادية والإرهابية، لكن على أرض الواقع فإن التواجد العسكري الفرنسي في تلك المنطقة لم يؤد إلى تراجع الإرهاب، بل على العكس زادت الهجمات الإرهابية كما زادت أعداد التنظيمات الإرهابية وانتشارها في مناطق أوسع من منطقة الساحل والصحراء. استفادة روسيا الانسحاب العسكري والسياسي الفرنسي من منطقة الساحل جاء لمصلحة تزايد النفوذ الروسي، فقد رفعت الإعلام الروسية في النيجر في أعقاب الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخراً، وذات الحال في مالي وبوركينا فاسو، والغابون، ما يعكس خريطة النفوذ الجديدة، حيث سعت روسيا لتقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الدول الإفريقية بشكل عام، ودول منطقة الساحل والصحراء، بشكل خاص، ولعبت شركة «فاغنر» الروسية، دوراً في محاربة التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، إضافة إلى تبنّي روسيا سياسات مختلفة مع دول الساحل تقوم على الندية والاستثمار والتنمية، وليس استنزاف الموارد، ما عزز مكانتها لدى شعوب تلك المنطقة، كذلك قيام روسيا بتزويد تلك الدول بالأسلحة. كما قامت روسيا باستضافة القمة الإفريقية الروسية الثانية هذا العام وتقوية علاقاتها مع إفريقيا وزيادة الاستثمارات ومجالات التعاون بين روسيا وتلك المنقطة في إطار لعبة الاستقطاب الدولية بينها والغرب. وبالتالي فقد وظفت روسيا حالة الامتعاض وشعور العداء في دول منطقة الساحل والصحراء تجاه فرنسا لتعزيز نفوذها والإحلال محل فرنسا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وانخراطها عبر شركة «فاغنر» في محاربة الإرهاب بدلاً من القوات الفرنسية. أمريكا وإعادة الانخراط في المقابل تسعى الولايات المتحدة إلى العودة مرة أخرى إلى إفريقيا بعد انسحابها منها خلال الفترات الماضية، وتركيزها على البعد الأمني المتعلق بمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية فقط، مثل «داعش»، و«القاعدة»، و«بوكو حرام»، وغيرها عبر القيادة المركزية في إفريقيا( أفركوم)، ما أوجد فراغاً كبيراً سعى خصوم أمريكا، خاصة روسيا والصين إلى ملئه، ما دفع أمريكا للعودة مرة أخرى، وبرز ذلك في انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية الثانية هذا العام في واشنطن، حيث تسعى أمريكا لتحقيق هدفين من وراء إعادة انخراطها في إفريقيا خاصة منطقة الساحل والصحراء، الأول: محاربة الإرهاب، والثاني: مواجهة النفوذ الروسي والصيني المتزايد، من خلال تعزيز علاقاتها بدول الساحل، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وفي الوقت نفسه تقوم أمريكا بالإحلال محل فرنسا في تلك المنطقة. وقد برزت تلك الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الأحداث التي شهدتها دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة في تشاد النيجر وبوركينا فاسو، حيث لم تتبن الموقف الفرنسي المعارض والمعادي للأنظمة العسكرية الجديدة في تلك الدول ولم تؤيد التدخل العسكري لإنهاء الانقلابات هناك، كما حدث في النيجر، وفي ذلك الوقت سعت إلى سياسة الاحتواء وفتح قنوات اتصال مع تلك الأنظمة، وتبنّي سياسات البرغماتية ومنطق الواقعية السياسية لتحقيق أهدافها في تحجيم النفوذ الروسي والصيني ومحاربة الإرهاب. خريطة نفوذ جديدة أدت التطورات الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء لتبلور خريطة نفوذ جديدة بين القوى الكبرى، حيث انحسر النفوذ الفرنسي بشكل كبير، مقابل تزايد النفوذ الروسي والصيني ودخول أمريكا على الخط وتعزيز نفوذها خاصة في دول الساحل. ولا شك في أن هذا الاستقطاب والتنافس الأمريكي مع روسيا سيكون له تداعيات كبيرة على دول المنطقة، حيث سيزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، ما قد يؤدى إلى تزايد مخاطر الإرهاب، كما أنه يؤدي إلى تزايد مفهوم الحروب بالوكالة بين الجانبين، ما يعقّد من الأزمات في تلك المنطقة. * خبير العلاقات الدولية في الأهرام

مشاركة :