د. حسام الدجني يكتب: طوفان الأقصى والسيناريوهات المحتملة

  • 10/21/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في تمام الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة من صباح يوم السبت الموافق السابع من أكتوبر 2023م دوت صافرات الإنذار في مدن دولة الاحتلال، ومع بزوغ الشمس بدأت تتكشف الأسباب، عملية طوفان الأقصى النوعية والأكبر في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من حيث التخطيط، والعمل الاستخباراتي، واختيار التوقيت، والنتائج. أكثر من ألف قتيل إسرائيلي، وعشرات الأسرى نتيجة العملية، ولكن هناك نتائج أكثر عمقًا وأهمية تتمثل في: تمكنت عملية طوفان الأقصى من كي وعي الجمهور الإسرائيلي حول صورة جيشه، ما يعني أن ميزان المناعة القومي في إسرائيل – (العلاقة بين المجتمع والمؤسسة العسكرية والأمنية) – خلال الفترة المقبلة سيشهد تزايدًا ملحوظًا، ما يعني أن معدل الهجرة العكسية لرأس المال الاجتماعي في إسرائيل سيزداد. طوفان الأقصى نجحت في كسر هيبة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأسطورته الأمنية أمام دول وشعوب المنطقة. طوفان الأقصى أفشلت مخططات ومشاريع دولية كادت أن تمنح إسرائيل مكانة وقوة سياسية واقتصادية على منطقة الشرق الأوسط. رفعت الروح المعنوية للشعب الفلسطيني وأعادت إحياء واقعية فكرة التحرر الوطني والانعتاق من الاحتلال. جن جنون نتانياهو وأركان حكومته، وذهب لإعلان حالة الحرب على قطاع غزة، وبدأ في عملية عسكرية أطلق عليها السيوف الحديدية، وقصفت طائراته البشر والحجر والشجر، وارتكب جرائم إبادة جماعية بقصف المنازل فوق ساكنيها، كما استخدم أسلحة محرمة دوليًا أهمها الفوسفور الأبيض لقتل المدنيين الفلسطينيين، ولم تسلم مراكز الإيواء التابعة للأونروا من القصف، وكذلك قوارب الصيد في ميناء غزة، ودمر أحياء بأكملها في صورة تعيد إلى الذاكرة ما قامت به إسرائيل في الضاحية الجنوبية، ومارس جريمة التهجير القسري بحق أكثر من مليون فلسطيني. يبقى السؤال الأهم: ما هي السيناريوهات المحتملة للمشهد في قطاع غزة…؟ أستطيع أن أرصد ثلاثة سيناريوهات على طاولة البحث في إسرائيل: السيناريو الأول: الاجتياح البري الشامل لجميع مناطق قطاع غزة. مقدمات ومتطلبات هذا السيناريو إسرائيليًّا ما يلي: حسم الجيش الإسرائيلي لمنطقة الغلاف عسكريًّا وضمان تفريغها من أي مقاوم فلسطيني. تهيئة الرأي العام الدولي بخطورة حركة حماس وربطها بداعش، وتسويق أخبار كاذبة مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء من أجل التأليب عليها والمساس بصورتها من حركة تحرر إلى إرهاب عبر استراتيجية إعلامية تحريضية ضد حماس وحصر المعركة الإعلامية معها، وتشويه صورتها، لحشد الدعم الدولي لارتكاب مجازر كبيرة ضد غزة. عمليات قصف جوي مكثف على غزة في تكرار لتجربة الضاحية (الأرض المحروقة). إقناع أو الضغط على مصر لفتح ممر إنساني لتهجير أكبر كم من الفلسطينيين نحو سيناء لتجاوز معضلة الفاتورة البشرية من المدنيين وتحقيق هدف تفريغ قطاع غزة من سكانه، وكشف ظهر المقاومة. تهجير قسري لسكان محافظتي غزة والشمال كمرحلة أولى يهدف لتحقيق مُكتسبين: الأول: تفريغ غزة من المدنيين ما يساهم في منح الاحتلال قدرة على تجاوز معضلة الفاتورة البشرية ويسهل عليه تكرار نموذج الضاحية (الأرض المحروقة)، بحيث يكون التغول بأقل الخسائر في صفوفه. الثاني: تشكل الخطوة من وجهة نظر الكيان كسرا لفكرة البقاء والصمود بحيث يصبح ممكناً في مراحل لاحقة تحقيق الهدف الاستراتيجي من المعركة وهو التهجير إلى سيناء. البدء بعملية الاجتياح الشامل عبر خطة عسكرية يشرف عليها مجلس إدارة الحرب والذي تم تشكيله يوم الأربعاء 11/10/2023م بعد انضمام غانتس. إيجابيات السيناريو بالنسبة للاحتلال: استعادة الردع وترميم صورة الجيش الإسرائيلي. إضعاف المقاومة وحكمها لدرجة كبيرة. سلبيات السيناريو بالنسبة للاحتلال: حرب إقليمية قد تطيح بالمشروع الصهيوني وتضرب السلام والاستقرار الإقليمي والدولي وتحدث تحول بالخارطة السياسية للشرق الأوسط. قوة وصلابة المقاومة وما قد يترتب عليه من خسائر في صفوف الجيش والأسرى لدى المقاومة. تأليب الرأي العام في العالم العربي والإسلامي والغربي على أنظمتهم السياسية، وقد تخرج الأمور عن السيطرة فتخسر الولايات المتحدة حلفاء هامين بالمنطقة. ما بعد انتهاء المعركة، وسؤال من سيدير شؤون قطاع غزة في حال فشل سيناريو التهجير أو أن مصر أعادت من خرج لغزة وألقت الكتلة الديموغرافية في وجه الاحتلال. وفقاً لهذا السيناريو فإن مدة المعركة: (معركة طويلة بحاجة الى أسابيع لحسمها). السيناريو الثاني: سيناريو الاحتواء والصفقة. ما يعزز هذا السيناريو أداء المقاومة الفلسطينية وقدرتها على المناورة والصمود وتوجيه الضربات المتنوعة (قصف صواريخ – مسيرات – عمليات إنزال خلف خطوط العدو) وأيضاً توفر ضغوط داخلية وخارجية على الاحتلال لدفعه للقبول بصفقة سياسية بموجبها تقبل إسرائيل بحل سياسي على أرضية الانسحاب الإسرائيلي من حدود الرابع من حزيران1967م والإفراج عن جميع الأسرى من السجون الإسرائيلية، وعودة الأسرى الصهاينة لذويهم، وحتى يتحقق هذا السيناريو مطلوب أيضاً تحرك جميع المستويات الشعبية والرسمية للدول العربية والإسلامية وحلفائهم للضغط على مصالح الغرب لوقف عدوان إسرائيل على غزة، والقبول بالصفقة السياسية الشاملة. اذا تحقق ذلك ستنتهي المعركة قريبا (عدة أيام) ولكن ضمن تفاوض تحت النار. (الصورة الأخيرة). السيناريو الثالث: استمرار المعركة الجوية والحصار والاجتياح البري المحدود. وفقا لهذا السيناريو يستمر القصف الصهيوني المكثف الذي يؤسس لخسائر كبيرة بالشعب الفلسطيني والهدف المراد تحقيقه: كي وعي شعبنا لدفعه لتجاوز الانتصار الكبير في طوفان الأقصى. يرافقه اجتياح محدود للمناطق المدمرة وذلك لالتقاط صورة الانتصار. ترجيح السيناريوهات: السيناريو الأول مرجح وبقوة وارهاصاته بدأت بالظهور سواء عبر المواقف الإقليمية والدولية، والسلوك الإسرائيلي في مسرح العمليات ووصول القطع البحرية الأمريكية لشرق المتوسط، ودخول حزب الله المتدرج لأرض المعركة، وتهديدات أطراف المحور بدخول المعركة إذا قررت إسرائيل توسيع عملياتها في غزة، ولكن هذا السيناريو ممكن أن يضعف ويتراجع عندما ينشط الحراك الشعبي والدبلوماسي داخل فلسطين وخارجها. وهنا سيرجح السيناريو الثاني، إلا أن العمل بالسيناريو الثالث وهو المعمول به حالياً سيتوقف عندما تتوفر الشروط المرتبطة بالسيناريو الأول. خيارات المقاومة الفلسطينية وفقاً للسيناريوهات السابقة: العملية التاريخية الكبرى في السابع من أكتوبر، طوفان الأقصى بالنسبة للمقاومة ما حققته هو الحد الأعلى في الانجاز، والهزيمة الأكبر للاحتلال، وهو ما يمنح الاحتلال أفضلية في المضي بالعملية بغض النظر عن النتائج، كون هذه النتائج من الصعب أن تكون بوزن وحجم نتائج المعركة، وهذا يتطلب من المقاومة بناء خياراتها وفقاً لاتجاهين: الأول: حقيقة موقف محور المقاومة وساحة الضفة الغربية والداخل المحتل، وحراك الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم من الحرب، وهل فعلاً ستفتح نيرانها بكل قوة لاستنزاف العدو وتشكيل صدمة أخرى غير صدمة طوفان الأقصى، وفقاً لهذا الاتجاه على المقاومة الصمود والقتال وجر الاحتلال لمعركة برية شاملة، لأن في نهاية المطاف ستكون النتائج والتداعيات للمعركة متعددة الجبهات وخيمة على الاحتلال. الثاني : في حالة خذلان المقاومة فعليها أن تفكر بخيارات متعددة منطلقة من مبدأ الثبات والصمود على الأرض الفلسطينية، أهمها: الانطلاق بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بموجبها يتم العمل على تقديم ملف قطاع غزة على أي ملف آخر، (غاز المتوسط – المطار – الميناء – التنمية المستدامة – المعابر)، ولن تتحمل غزة مسئولية ذلك بل من خذل غزة فلسطينياً وإقليميًا هو المسئول بخذلانه. الخلاصة : معركة طوفان الأقصى هي ليست معركة حركة حماس رغم قيادة الحركة لها، ولا معركة قطاع غزة رغم أنها مسرح العمليات، ولكنها معركة فلسطين والأمن القومي العربي والإسلامي، وعليه وجب على الجميع تحمل مسئولياته بما يخدم تطلعات شعبنا الفلسطيني بالعودة والتحرير. Hossam555@hotmail.com

مشاركة :