نظرة واقعية لـ'مستقبل المكانة الاسرائيلية'

  • 10/21/2023
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ليس من قبيل المصادفة أن تصبح السياسة الدولية حقلا لتطبيق النظريات السياسية، وأن تكون ميدانا لتقبل كل ما هو جديد من المفاهيم والمصطلحات تبعاً للتطور والمستجدات المتغيرة في عالم تتسارع فيه الاحداث والتفاعلات الدولية، وفي سياق استعارة ادبيات حقل العلاقات الدولية، وهذا الكتاب"مستقبل المكانة الاسرائيلية.. في اطار النظريه الواقعية" للباحثة العراقية د.بيداء رافع شرقي يسعى إلى تفسير نظريات العلاقات الدولية وخاصة النظرية الواقعية التي تعد من أكثر النظريات التي طبقت بشكل عملي وواسع على الصعيد السياسي في عالمنا المعاصر، ومن مسلمات هذه النظرية هي اعتمادها على القوة والفوضى، وتحقيق المصلحة الذاتية كنهج في العلاقات الدولية. تكمن اهمية الكتاب الصادر عن دار العربي في تقديم صورة واضحة لإسرائيل باستعراض مسيرتها الواقعية والمرِّاحل المختلفة التي مرِّت بها لتصل إلى ما هي عليه اليوم، فلاشك ان نجاح اسرائيل في البقاء طيلة هذه السنوات تعد من اهم الانجازات التي حققتها سياسة اسرائيل الواقعية المعتمدة على فرض سياسة الامرِ الواقع والتطور المستمرِ للمنظور الأمني من وجهة نظر واقعية، كما تكمن اهمية الموضوع من خلال الكشف عن مواطن الواقعية الدفاعية والهجومية وكيف استخدمتها اسرائيل في الحفاظ على مجالها الحيوية اي كان شكلها حقيقة ام سبرانية. ومن جانب آخر يحاول الكتاب اثبات فرضية مفادها: إنَّ اسرائيل استطاعت أن تعزز وجودها في المنطقة العربية والشرق الاوسط من خلال تطبيق عميق للنظرية الواقعية بشكل عام في بيئة معادية وصولا إلى تحقيق سياسة مكانية كبيرة تهدف إلى الحفاظ على أمنها وعلى كينونة كيانها. تؤكد الباحثة أن النظرية الواقعية السياسية استطاعت أن تطور تحليل السياسة الخارجية، وذلك من خلال أرضيتها الراسخة على مرّ عقود من الممارسات عن طريق تبسيط وتفسير الوضع الدولي عن طريق المدرسة الفكرية السياسية التي تقدّم نفسها كجسم من النظريات والحجج المترابطة لتفسير السياسة الجماعية والانانية ومرِّكزية القوة، لتعدُّ بذلك المصدر الأساس لكل النظريات التي انبثقت عنها ومن اشكالها الواقعية الكلاسيكية والجديدة. وتشكل اسرائيل نموذجاً بارزاً للواقعية السياسية في منطقة الشرق الاوسط، فقد تطورت بشكل تدريجي من حركة صهيونية محتلة إلى دولة معترف بها من قبل اغلب دول العالم، كما باتت اسرائيل اليوم تتمتع بقدرات التفوق النوعي والعلمي والتكنلوجي على المستوى الاقليمي، مما أتاح لها التمتع بسياسة مكانية معترف بها دوليا، وكون إسرائيل تعيش في منطقة معادية إلاّ ان تطوير قدراتها العسكرية والأمنية مكّنها من إعادة التوازنات الجيوستراتيجية لصالحها، إذ إنَّ جلَّ التغيرات الحاصلة اليوم في سياسة اسرائيل الخارجية، وكذلك العوامل الاقليمية المؤثرة في المنطقة تدفع بنا لمحاولة التعرف على العوامل التي مكنت اسرائيل في تعزيز وتحقيق مكاسب كانت تبدو قبل عقد من الان مجرد أوهام وتخيلات لاوجود لها في الواقع، الامرِّ الذي يمكن أن يكون نقطة تحول مستقبلية للتنافس العالمي والتفوق النوعي في البحث والتطوير في سبيل التوسع الاقليمي وتحقيق الانفتاح العربي. وتشير إلى أن النظرية الواقعية لاتزال هي السائدة في السياسيات الخارجية للدول والعلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الان، اذ تسعى الدول جاهدة لزيادة قوتها وتسلك سياسات معينة من اجل تعزيز مكانتها الدولية، وعلى الرغم من طبيعة الوجود الإسرائيلي المصطنع في المنطقة أن وجود إسرائيل كان اساس النظرية الواقعية "التي تستند إلى القوة، لتبرهن على انها ليست مجرد كيان، ولكن دولة لديها سياستها الخاصة وقوتها العسكرية، التي مكنتها من الصمود في بيئة معادية، وخلقت لها سياسية مكانية بالقوة، اخذت الحواجز مع بيئتها ان تذوب شيئا فشيا لتحصل على الاعتراف الاقليمي ننتجه تسارع الانفتاح الاقليمي عليها لتحصل على المكانة الاقليمية التي تهدف لها، فضلا عن المكانة الدولية، مستغلة في ذلك الازمات التي عصفت بمنطقة الشرق الاوسط طيلة فترة العقديين الماضيين، وليتمُّ اعادة صياغة دولية للقضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، نتيجة ابراز القضايا الاخرى كالإرهاب، والديمقراطية، وتغير الانظمة، في حين جرى التعمد على جعل القضية الفلسطينية قضية ثانوية. وتقول الباحثة إن إسرائيل استعانت بأدوات ووسائل الفكر الواقعي بالاتجاه الذي يحقق اهدافها ومصالحها، وتمَّكنت من امتلاك عناصر القوة سواء بفضل امكانياتها او من خلال الاعتماد على الدعم المستمرِّ للولايات المتحدة، وخاصة الدعم والاسناد الامني والعسكري، وجعلها طليقة اليد في منطقة الشرق الاوسط، وضمان بقاء تفوقها النوعي على بلدان المنطقة. وتعدُّ إسرائيل من الدول القليلة التي طالما خططت لمستقبل وجودها في الشرق الاوسط، ونجد ان الحكومة الإسرائيلية تشرف اشرفاً مباشراً على خططها المستقبلية للدولة والمجتمع بشراكة مؤسسات حكومية ومرِّاكز بحثية وعلماء والاختصاصين في شتى المجالات، ولذا نجد التصور الإسرائيلي كان بنظّرة واعية للوضع الاقليمي والدولي، فعملت على بناء القوة في اطار النظرية الواقعية لضمان امنها، ومن ثم التخطيط لانطلاق علاقاتها الدولية والاقليمية لفك العزلة والمشاركة بتفاعلات المنطقة. وقد توصّلت الباحثة إلى مجموعة من النتائج: أولا أسهم نشوء إسرائيل ككيان مختلق في الوطن العربي إلى ثابتية استخدام القوة والمصلحة في الاستراتيجية الإسرائيلية منذُ وجودها، لذا تعدُّ إسرائيل اكثر من استند على منهج النظرية الواقعية في نشوئها والديمومة وبشقيها الدفاعي والهجومي. ثانيا لقد استند الوجود الإسرائيلي كوحدة دولية بالأساس على الاستمرِّار والدعم الامرِّيكي والاوربي لها في النظام الدولي، رغم جميع انتهاكات الكيان ضد الشعب الفلسطيني. ثالثا ترى إسرائيل اهمية التمسك بالمشروع الصهيوني، للبقاء والتطور على مدى بعيد ولمدى طويلة وان تكون هذه الدولة نواة للشعب اليهودي في العالم كله. رابعا كان للولايات المتحدة التأثير الاكبر على انتهاج إسرائيل للمنهج الواقعي، سواء من خلال الدعم المستمرِّ للكيان بلا شروط والتغاضي عن الافعال الصهيونية العدائية في المنطقة العربية والدعم السياسي في مجلس الامن، في المجال الاقتصادي والعسكري من خلال الدعم السنوي الذي تتلقاه إسرائيل. خامسا استطاعت إسرائيل من خلال توظيف سياسة الردع والحدود الامنة من فتح مجال استراتيجي لها يطل على المحيط العربي، اذ لا مانع في التوسع والانفتاح ما دام هذا الشيء يخدم وجود الكيان الصهيوني ويدعم الرؤية الامرِّيكية في المنطقة. سادسا مما لاشك فيه ان ضعف المحيط العربي وتخفيف حدة العداء الإسرائيلي وترشيح ايران كعدو أول للعرب، أدى دور كبير في ظهور معطيات اخرى، توحي إلى احتمالية مشاهدة ساحة شرق اوسطية تكون فيها إسرائيل دولة طبيعية في الشرق الاوسط، وتعيش بسلام وتناغم اقليمي، وتساعد في رسم السياسة الامنية في المنطقة، ضد التهديدات المحتملة وخاصة الخطر الايراني على وفق الرؤية الامرِّيكية الإسرائيلية. سابعا لذلك تجد نفسها مدفوعة بقوة للتفكير في المستقبل ووضع الخطط المستقبلية للدولة وكيفية التعامل مع المحيط الخارجي، والحفاظ على التماسك الداخلي وبقاء علوية الاهداف الصهيونية في المجتمع اليهودي وستستمرِّ إسرائيل في سياستها الخارجية على وفق التصور الواقعي وهو امتلاك اسباب القوة وتعزيزها وعدم اغفال هذا المبدأ حتى وان اعترفت بها جميع دول الشرق الاوسط،فهدف إسرائيل ليس حماية نفسها كما يروج الاعلام الإسرائيلي وحسب، وانما هي تبغى الريادة في هذا الاقليم للتكون القوة الاقليمية المهيمنة فيه، لذلك ستستمرِّ في احتكار القوة غير التقليدية "السلاح النووي"، وستعمل جاهدة لمنع امتلاك الاطراف الاخرى لها وان كانت هذه الاطراف من الاصدقاء، هي تهدف ان تكون الدولة (Number one) في الشرق الاوسط. ثامنا ستعمل إسرائيل مع فرض سياسة الأمر الواقع فيما يتعلق بالأرضي التي تسيطر عليها في اي مفاوضات مستقبلية، وسيكون لها الكلام الفصل في هذه المفاوضات فهي ستكون مدعومة من الطرف الامرِّيكي الراعي لهذه المفاوضات.  تاسعا لاشك أنَّ إسرائيل نجحت في تحقيق مكانة اقليمية وبالقوة وهي مستمرِّة بتعزيز هذا المكانة مستغلة الظروف التي تمرِّ بها منطقة الشرق الاوسط، والسعي لإكمال مشروعها كي تفرض وجودها على الاخرين مع استمرِّار فرض المشاريع الخارجية كصفقة القرن والابراهيمية، مع الانفتاح على الاخرين في إطار النظرية الليبرالية وفتح المجالات للتعاون الثنائي، او الاقليمي في المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية، وهذا بالنتيجة سيعزز من سياسة إسرائيل المكانية وبدعم المؤسسات الغربية الرسمية وغير رسمية.

مشاركة :