أنس الملحوني شاب مبدع متعدد الجوانب، جمع بين الموسيقى والإعلام والتنشيط والعمل الجمعوي والبحث العلمي، متعدد المواهب والقدرات، يعزف على أكثر من وتر، فهو موسيقي وإعلامي وفاعل وباحث ومنشط، له حضور لافت في أكثر من واجهة، يزاوج في توليفة بديعة بين ما هو موسيقي وتربوي، ليكسر الحدود بين عدة حقول وميادين معرفية وفنية. ويمتلك الملحوني رصيدا وثائقيا سمعيا مهما يعد معينا لا ينضب للمهتمين والدارسين للفن والثقافة الشعبية المغربية المعاصرة. كما يعتبر مرجعا لا محيد عنه، من أجل مقاربة الشخصيات والمواضيع والقضايا التي تطرق إليها. ويعد برنامج “نبش في الذاكرة”، جنيريك فاطمة أقروط ومولاي عبدالكريم نيجام، واحدا من أبرز برامج الملحوني، وهو برنامج إذاعي يومي. ويبلغ الغلاف الزمني لكل حلقة منه عشر دقائق، ويتم بثه خلال شهر رمضان المبارك منذ عام 2007 وحتى العام الحالي، وهو برنامج يرصد سير ومسارات رموز وأيقونات الثقافة والفن على صعيد الوطن بلغة وسيطة، حسب تعبير الناقد الجرجاني، لغة سهلة وممتنعة في متناول جميع المستمعين أو كما قال الباحث الفرنسي في مجال علوم الإعلام والاتصال فيليب كايار لغة سهلة، وواقعية وحيوية. وعلى مدار حلقات هذا البرنامج الحواري، استضاف الملحوني 30 شخصية فنية وثقافية تعتبر من الوجوه البارزة في المشهد الثقافي والفني المغربي المعاصر، من بينهم: عبدالجبار لوزير، عبدالله عصامي، فتح الله المغاري، محمد الدرهم، العربي الكوكبي، سعيد الشرايبي، عبدالرحمن الملحوني، عبدالرفيع جواهري، مولاي الطاهر الأصبهاني، أحمد متفكر، أحمد عواطف، عتيقة عمار، كريمة الصقلي وإسماعيل زويريق. وأبرز البرنامج ما يتوفر عليه الملحوني من خامة صوتية متميزة، وتجربة إعلامية متفردة، خصوصا في المجال الإذاعي الذي اشتغل فيه منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن. وقد خصص لكل ضيف من ضيوفه في هذا البرنامج ما بين أربع حلقات وخمس عشرة حلقة، حسب غنى وتنوع تجربة الضيف. وكما يقال “المناسبة شرط”، ولكون هذا البرنامج يبث خلال الشهر الفضيل، فإنه برنامج خفيف الظل يمتع ويفيد، ولا يثقل مسامع الصائم. الملحوني شاب مبدع متعدد الجوانب، جمع بين الموسيقى والإعلام والتنشيط والعمل الجمعوي والبحث العلمي، متعدد المواهب والقدرات، يعزف على أكثر من وتر، فهو موسيقي وإعلامي وفاعل وباحث ومنشط، له حضور لافت في أكثر من واجهة كما أنه يحسن اختيار الضيوف، وطرح التساؤلات والاستفسارات، ودمج الفواصل الموسيقية والغنائية ما يجعله برنامجا ناجحا، لكن يحتاج رغم ذلك إلى الانفتاح أكثر على التجارب الفنية والثقافية، التي تنهل من معين الحقلين الديني والروحي، حتى يبقى البرنامج في انسجام تام مع متطلبات ورغبات المستمعين في الشهر المبارك. وبرنامج “نبش في الذاكرة” هو سبر لأغوار الذاكرة والحاضر ونبش في ذاكرة الضيوف، من أجل استحضار ذكرياتهم الشجية عن مجموعة من الأحداث والقضايا غير المعروفة أو التي يكتنفها الغموض لدى المستمعين، وهو أيضا حفريات في الحاضر عبر استضافة شخصيات متميزة من الزمن المغربي الحديث التي بصمت الساحة الفنية والثقافية بميسم خاص. وكأني بالملحوني من خلال هذا البرنامج ينشد على لسان شاعرة العاصمة الإسماعيلية لطيفة السليماني الغراس في قصيدة “نبش في الذاكرة”، قائلا “وأعود للذكريات أنبشها، وبالذكر يتوقف الزمان”. إلى ذلك، فإن هذا البرنامج هو نبش في الذات والآخر، نبش في الذات من خلال تساؤلات وتمثلات المضيف/الإذاعي حول الضيف/المبدع المثقف بالمفهوم الذي أعطاه السياسي الفرنسي إدوارد هيريو للثقافة، والتي عرفها بكونها هي ما يبقى عالقا بالذهن عندما يتم نسيان كل شيء، ونبش أيضا في الآخر عبر الغوص في أعماق الضيف ووجدانه، لجعله يقوم بعملية التوليد، ليس بالمفهوم السقراطي، ولكن بمعنى آخر، معنى إعلامي يجعل الضيف يجد متعة في البوح ومعاندة النسيان ويصبح متعاونا وشريكا غير بريء للمضيف، من أجل تحقيق الهدف من البرنامج، والذي يتجلى في تزويده بكل ما يحتاجه من معلومات، ومن ثم تتحقق وحدة البرنامج، ويحصل التماهي والانسجام التام بين الضيف والمضيف، ويتحقق النجاح الإذاعي والإعلامي المنشود. في ستينات القرن الماضي، قال الفيلسوف وعالم الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان في كتابه “فهم وسائل الاتصال” إن “الوسيلة هي الرسالة”. وفي هذا الاتجاه، يمكن القول إن برنامج “نبش في الذاكرة” هو برنامج للقرب قد استطاع التعريف بالعديد من الفنانين والمثقفين لدى الجمهور العريض، وجعل المنجزات النخبوية أو العسيرة على الفهم تصبح في متناول الجميع، بطريقة شيقة ومبسطة. وبرصيد الملحوني ما يناهز 39 برنامجا إذاعيا حول مواضيع مختلفة ومتنوعة، من أبرزها: الثقافة الشعبية والإنشاد الديني، والموسيقى والتصوف والزوايا، والأعلام والشخصيات الفنية والثقافية، والروائع الموسيقية والغنائية العالمية، إضافة إلى الحكايات الفنية والإبداعية.
مشاركة :