تحمل الكاتبة والباحثة في مجال التراث والتاريخ، بثينة سالم سعيد سالم ياعد القبيسي، على عاتقها مهمة إثراء جهود التأريخ والتوثيق الخاصة بدولة الإمارات، وتحديداً إمارة أبوظبي، من خلال إصداراتها التي تناولت جوانب عدة من التراث الإماراتي، كجزء من رسالتها الثقافية وكدين مستحق لدولة الإمارات التي سخرت قيادتها الرشيدة كل الإمكانات لدعم الثقافة والكتاب والمبدعين. في هذا اللقاء مع صحيفة «البيان» تتحدث الكاتبة عن أهمية الكتابة في هذا المجال والتحديات التي واجهتها. تناول أبرز الإصدارات بيئة الإمارات المحلية، ما سبب تركيزك على هذا النهج في الكتابة؟ السبب الأول بلا شك هو الشغف.. شغف حب التاريخ والبيئة منذ النشأة في كنف أجدادي، فمنذ أن بدأت أعرف نفسي وأستوعب كل ما حولي من شخوص وأحداث كان لجدتي أعظم الأثر في أعماق روحي وتلمس خطواتي الأولى في درب المعرفة والتعلق بالتاريخ والتراث والبيئة، ومن هنا كانت الانطلاقة الأولى لما تلا من توجهات واهتمامات في مسيرة حياتي، هذا الاهتمام بطبيعة الحال جعلني أفكر وأتأمل ملياً وأناقش ذاتي مع نضج فكرة الكتابة والتساؤلات التي كانت تلح عليّ تمخضت عن سؤالين..ما هو هدفي من الكتابة؟ وما الجديد الذي سأقدمه؟ من هنا اتجهت بتوفيق من الله إلى بلورة إجابة مضمونها السعي إلى تعبئة الفراغات من التاريخ المنسي وغير المكشوف عبر استنطاق المصادر الشفاهية وتسجيل رواياتهم كشهود على عصرهم وشهادة للتاريخ تحفظ للأجيال حقهم في معرفة ماضي آبائهم وأجدادهم. لماذا يتجه الكاتب لترجمة الكتب للغات الأجنبية؟ الترجمة في مفهومها العام، ونقلاً عن بعض المصادر، هي عملية نقل المعلومات والبيانات بين اللغات بغرض التبادل العلمي والثقافي، وتحقيق الاستفادة القصوى من كل علم موجود في كل حضارة، ونحن لا ننسى حركة الترجمة وتعريب العلوم الضخمة التي حدثت في العصور الإسلامية العلمية الزاهية، ثم بعد ذلك ترجمة إسهامات العلماء المسلمين إلى اللغات الأوروبية في كل العلوم النظرية والتطبيقية التي اكتشفوها وأبدعوا فيها، وبالنسبة لي أرى بأن التاريخ يجب أن يكتب بيد أبناء المنطقة، فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل، وأرغب في تعريف الآخرين بالقيم والمبادئ الحقيقية التي تعمر وجدان أهل هذه المنطقة وتصحيح بعض التصورات الخاطئة والكتابات المغلوطة. هل تعتبر البيئة الثقافية والأدبية في الكتابة والنشر محفزة للكاتب للمضي قدماً في هذا المجال ؟ من فضل الله علينا أننا ننتمي لدولة علم وريادة وتميز، القيادة الرشيدة في دولتنا، لم تدخر جهداً في دعم الحركة الثقافية منذ التأسيس، عبر إنشاء العديد من الهيئات والمؤسسات الثقافية ومنحها ميزانيات ضخمة أثمرت برامج عديدة ومبادرات خلاقة، كما عملت على دفع وتهيئة الكتاب والباحثين بشكل خاص في اكتساب المعارف ونهل العلوم وتقديم ما يخدم هذا البلد وشعبه الكريم في جميع مجالات الثقافة، ومن هذا المنطلق أؤمن بأن هناك رسالة ثقافية لكتاباتي تستند إلى تاريخ وتراث وقيم الدولة وهوية المجتمع، وهذا دين مستحق لهذا الوطن يجب أن يؤدى مهما كانت الظروف. ما هي أبرز وأهم التحديات التي واجهتك منذ البداية وكيف تغلبت عليها؟ لا شك أن لكل مجال عمل خصوصيته واستعداداته، سواء من الناحية النفسية والعقلية أو الجسدية والمادية، خوض غمار البحث والتأليف في التاريخ والتراث ليس بالأمر الهين أبداً، خاصةً أثناء مرحلة البحث وجمع المادة العلمية وما يصاحبه من عناء التنقل من مكان لآخر ومقابلة الرواة والمصادر.. ولكن بفضل الله تجاوزت الكثير من الصعاب والعوائق بصبر وجلد في سبيل الغاية الأهم وهي مرضاة الله أولاً، ثم الوفاء لهذا الوطن وقادته الكرام ولأرضه وشعبه، وهنا أوجه رسالة للمرأة الإماراتية في هذا الشأن أن تتسلح بالشغف والعلم والمعرفة وتملك الأدوات المهمة في كل مجال وميدان، والتحلي بصفات الصبر والاجتهاد والانضباط لتكون قادرة على الإبداع والتميز وتقديم أفضل ما لديها بشكل فعال ومثمر. ما هي المصادر التي اعتمدتها للحصول على المعلومات فيما يتعلق بالحياة في مختلف جوانبها؟ الروايات الشفاهية هي المصدر الأول والأهم في كتاباتي، والتي تداولتها الأجيال وحفظتها صدور الآباء والأجداد، ونقلت إلينا من المعمرين ممن عاشوا أو أدركوا الماضي القريب قبل عصر النفط والحياة المعاصرة، ثم تأتي بعد ذلك المصادر الأخرى التي تعزز تلك الروايات حسب الموضوع من وثائق وكتب ومقتنيات مادية. ماذا يتناول الكتاب الأخير، وما هي الإصدارات القادمة؟ كتاب «المقياظ» هو سيرة رحلة المقيظ (المقيض) من دلما إلى ليوا في التراث المحلي حسب إفادة المصادر الشفاهية، تعبر بصورة عامة عن رحلة المصيف كما يسمى في عصرنا الحالي، وهي تبرز بشكل واضح وقوي عن تكيف الآباء والأجداد مع معطيات التضاريس وعوامل البيئة ومؤثرات المناخ وانتقالهم في فصل الصيف أو (القيض) من الجزر والمناطق الساحلية الحارة إلى الواحات الداخلية مثل ليوا والعين وغيرها من المناطق التي تمتاز بكثرة النخيل والمزروعات ووفرة المياه في الأفلاج والآبار. وأخيراً.. كيف ترين ثقافة زينة المرأة وملامحها في التراث وفي العصر الحاضر؟ تعتبر الأزياء وفنون الزينة من أقدم الخصائص الحضارية والعلامات الثقافية في تاريخ التطور البشري منذ وجوده، ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالمكانة الاقتصادية والاجتماعية، وأبرزت مدى تطور المجتمعات وما وصلت إليه من تقدم في الحياكة والصياغة. كتاب «ملابس وحلي سكان إمارة أبوظبي - قبائل حلف بني ياس 1850-1950» يتناول جانباً مهماً في تاريخ وتراث المنطقة من هذه الزاوية، ويقدم دراسةً وافية عن فترة زمنية مهمة قبل عصر النفط، وكيف تفنن الأهالي في نسج وصناعة مقتنياتهم الشخصية، ومقارنةً بالعصر الحاضر نستطيع أن نقول بكل ثقة بأن جداتنا كان لديهن الكثير من الفهم لطبيعة الزينة وأهميتها للمرأة، وامتلكن ذوقاً رائعاً في الاختيار والانتقاء والتمييز من حيث المواد والألوان رغم بساطة الحياة وشظف العيش أحياناً، ولا شك أن هذا الإرث انتقل بكل مضامينه إلى الأحفاد والأجيال اللاحقة. Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :