في الليلة الثانية من عروض مهرجان أيام الشارقة استضاف معهد الشارقة المسرحي عرض مرثية الوتر الخامس تأليف مفلح العدوان، وإخراج فراس المصري، لمسرح دبا الفجيرة، التي تنافس على جوائز المهرجان، وهو مونودراما من أداء الممثل عبد الله مسعود. تحكي المسرحية عن عودة جديدة لزرياب ذلك المطرب القديم الذي عاش في زمن الدولة العباسية وكان له أثر بالغ في تطور الموسيقى العربية، وقد ولد في الموصل في نهاية القرن الثاني الهجري، وتتلمذ على إسحق الموصلي، ولقي الرشيد فأعجب به لكن إسحق حسده، وهدده بالقتل فترك العراق وتوجه إلى مصر ثم القيروان واستقر بالأندلس التي شهدت نجاحاته الكبيرة، وإضافاته في عالم اللحن. يعود زرياب إلى بغداد في أيامنا هذه فيفتتح ملهى لاستضافة محبي الموسيقى والطرب، ويقف فيه بهيئة أنيقة لاستقبال ضيوفه، لكن لا أحد يزوره، ونعرف من خلال حواراته مع نفسه أن المتطرفين قد وجهوا إنذاراً إلى الجمهور أنهم سيقتلون من يتوجه إلى ذلك الملهى، فخاف الناس، ولم يجرؤوا على الاقتراب منه، ويتذكر زرياب المشاقّ التي واجهته في حياته السابقة، والظلم الذي وقع عليه من معلمه الموصلي الذي طرده من بغداد، ويقارن بينها وبين ما يعانيه في حياته الجديدة من المتطرفين الذين يريدون أن يقضوا على إبداعه وصوته الجميل، وفي نهاية مونولوجه يقف على سلم ويعلن تحديه لهم، وأنه لن يستسلم لقرارهم وينادي على الجمهور أن يأتيه. استفاد المخرج من عدة عناصر ارتقت بمستوى عرضه، أولها الإضاءة التي وظفها بشكل جيد في إعطاء جو الملهى الفارغ، وكانت تركز على وجه الممثل في لحظات الذروة، لتعطي ملامحه بشكل واضح، كما أنه حاول أن يتصرف في أشياء الديكور بشكل مبتكر، خاصة أدوات الموسيقى كالطبول التي استعملها مرة لأداء الإيقاع ومرة صواني لحمل كؤوس الشراب، وكان لا بد من حضور الموسيقى والغناء لأن الشخصية هي شخصية مغنٍّ، وأي مغنٍّ، إنه زرياب الذي أضاف وتراً خامساً إلى أوتار العود، وقد أدى عبد الله مسعود فقرات الغناء مصحوبة بحركات راقصة بشكل جيد وبرع في ذلك، وكانت تلك الفقرات تعطي للمشهد حيوية، وتنوعت بين الموسيقى الشرقية والأندلسية تبعاً لمراحل حياة زرياب وما كان عناه في كل محطة. فكرة المسرحية في المجمل واضحة وقريبة وهي إدانة التطرف الذي يسعى للقضاء على الإبداع، ويستعمل العنف والقتل ضد كل من يتعاطاه، وقد صدح زرياب في آخر المسرحية بأنه سوف يواجهه إلى الأبد، لكنّ المسرحية عانت من خلل يتعلق ببنائها السردي الطاغي، فالممثل مشغول طوال الوقت بسرد حياة زرياب وأسفاره الطويلة، كما أن المقارنة بين حسد إسحق الموصلي له وطرده من بغداد في الماضي، لم تعمق حدث منع المتطرفين الناس عنه في الحاضر، نظراً لاختلاف الأسباب والغايات في الحادثتين.
مشاركة :