كيف للفن أن يحارب التطرف؟ وكيف لتدشين مسارح على امتداد مدن المملكة أن يحارب التعصب؟ ماذا لو أنشأنا بعدد الملاعب الكروية مسارح وسينمات ومعاهد فنون درامية وتشكيلية، فماذا سيتغير؟ إنه سؤال الأسئلة، خاصة إذا عرفنا أن العمل في حقل التنمية الثقافية هو عمل استراتيجي يستهدف أجيالاً وليس عصاً سحرية تقول "كن فيكون". خالد برزنجي الموسيقي السعودي وصانع أنغام موسيقى برنامج "خواطر"، يؤكد أهمية دور الفن في الحياة؛ قائلاً: "إن الفن الملتزم قادر على احتضان الشباب وتفريغ كل طاقاتهم السلبية وتحويلها لطاقة إيجابية، تنشر الجمال في المجتمع بدل القبح المستشري". ويرى برزنجي أن للفن وظائف متعددة، كلها تصب في صناعة إنسان راق "ولو رأينا في الساحة الفنية ظواهر مخلة بالأخلاق فإنها ليست أصل الفن بل هي لضرورات الاستهلاك والربح خاصة بعد أن تخلت الحكومات العربية عن الفنون وتركتها بيد تجار القنوات الربحية الذين أسرفوا في تسليع المرأة والترويج لكل ما هو مستفز للمجتمع والأسرة العربية والإسلامية وهي ظواهر فنية مخلة يجب محاربتها بالتوازي مع محاربة التطرف". ولكن كيف للفن أن يحارب التشدد؟ وكيف يؤثر افتتاح المسارح وتلوين الحياة بلون الموسيقى على الإنسان؟ يجيب الفنان السعودي القادم من المدينة المنورة: "التطرف مسألة ذهنية بالدرجة الأولى، تتعلق بالانغلاق ورؤية القضايا بحدية أما الفنان والمتذوق للفن الراقي، يحمل ذهنية منفتحة، لا ترى الأمور بعين واحدة، بل ترى العالم متعدد الأطياف، كحال الموسيقى ذات الأنغام والمقامات المتعددة، فثمة النهاوند والكورد والحجاز والصبا، كلها تعكس ثقافات متعددة صنعتها شعوب شرقية عبر التاريخ وليس ثقافة أو مذهباً أو فئة واحدة، فضلاً عن أن وجود الموسيقى الراقية في الحياة، تُصيّر الإنسان إلى كائن أقل عنفاً وكراهية، كذلك في العروض المسرحية، فالممثل عليه قبل القيام بالدور أن يؤمن ويقتنع أنه قابل لتجسيد مختلف الأدوار لا أن يمثل فقط شخصه، وهو حال الجمهور الذي يرى الحياة في المسرح بمختلف الأشكال والتصورات وليس كما لُقِن أو ظن أنه الصحيح". مضيفاً: "إلى جانب أن التعامل مع الآلات الموسيقية، هو تعامل روحي وحسي عال وليس مع أي شيء آخر". ويشير برزنجي إلى أن العلاج بالموسيقى حقيقة علمية ثابتة وهي مكمل علاجي هام ومعروف في العالم، حيث تساعد الموسيقى على محاربة مرض العصر (الاكتئاب) ويتم تحت إشراف علماء متخصصين في هذا المجال كما تخفف الموسيقى الراقية التوتر لدى مرضى الزهايمر والباركنسون، وتخفف أيضاً الضغط الجسدي والنفسي لدى عدد من المرضى، حسب مصدر طبي. ويضيف برزنجي، متسائلاً: "كيف يكون هذا ونحن بدل أن ندعم الموسيقى نهملها ونهدر مصدر ثقافي وإنساني هام لتلطيف الحياة الروحية والنفسية في المجتمع". وعن السبب الذي حوَّل المجتمع من الفطرة الطبيعية لكل الشعوب المتعايشة والمتناغمة مع الموسيقى إلى وجود شريحة تتشنج وتنفر من الفن والموسيقى. يعلق برزنجي: "هذا خلاف للطبيعة، جرب وضع طفل رضيع بجوار أنغام موسيقى بتهوفن، فهل ينفر؟ فضلاً عن أن هنالك دراسة أشارت إلى أنه خلال 10 دقائق من الاستماع إلى موسيقى موزارت، تراجعت مستويات الطاقة لدى الأطفال (الخدج) بنسبة 10 إلى 13 بالمئة وهذا التأثير على مستويات الطاقة يساعد، جزئياً، في الاسترخاء وزيادة الوزن، وبالتالي نمو الطفل بشكل أسرع؛ لذا فإن سبب نفور البعض من الموسيقى يعود لأسباب فكرية وتربوية نشأ عليها. ويؤكد برزنجي إلى أن الفن مقياس هام لتطور المجتمع أو انحداره، متسائلاً: "قارن بين المجتمع المصري زمن عبدالوهاب وأم كلثوم وبين المجتمع المصري اليوم وكذلك قارن حال مجتمعنا في السابق وبين اليوم، هل نحن الآن في أفضل أحوالنا؟"، من هنا يعتقد برزنجي، أن علينا الاستفادة من تجارب الأمم مع الموسيقى والفنون "لأن الموسيقى علوم وفنون تملأ الجانب الروحي والأخلاقي للإنسان وهي مكمل أساس للعلوم من أجل أن ينهض الإنسان في المجتمع لا أن تُحول إلى آلة علوم مجردة من الروح". وعن استخدام البعض لحجة هتلر وعشقه للفنون وعدم قبوله في معهد (الرسم) قبل أن يصبح ديكتاتوراً، يعلق برزنجي: "هتلر ليس مثالاً يستشهد به لأننا نستطيع أن نضرب أمثلة مشابهة في تخصصات أخرى فهذا الكلام غير منطقي ولا يعبر عن تحليل علمي ولو أحب هتلر أن يتعلم الطب أو الهندسة فهل هذا يعيب الطب والهندسة؟". ويرى خالد برزنجي "أننا وصلنا إلى هذا الحد من السطحية بسبب السكوت على هذه المظاهر السلبية كما يضاف إليها الانحلال الذي يسمى فناً في هذه الأيام والذي يجب محاربته كما نحارب التطرف، خصوصاً وأن أرض المملكة لها في تاريخ الفن الإنساني من الإيقاعات والألوان والأصوات والموسيقى، ما يمثل قاعدة ارتكاز، تعيد المجتمع السعودي والوطن إلى المكان الحقيقي في ركب الحضارة الإنسانية".
مشاركة :