عويل عدد لا يحصى من الأمهات والآباء يخيم على قطاع غزة على مدار اللحظة مع استمرار أعنف حرب تشنها إسرائيل للأسبوع الرابع. وقتل أكثر من ثلاثة آلاف طفل من إجمالي 8 آلاف حتى الآن في قطاع غزة الذي يتحول على نحو صادم إلى منطقة خراب ودمار هائل. إذ أن الكثير من الأحياء والتجمعات السكنية أبيدت تماما وتغيرت معالمها وتحولت إلى ركام متناثر. في السابع من أكتوبر الجارى، شنت حركة حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل تضمن إطلاق آلاف القذائف الصاروخية وعمليات تسلل لمقاتلين فلسطينيين داخل الأراضي الإسرائيلية. سرعان ما ردت إسرائيل بإطلاق عملية عسكرية غير مسبوقة تضمنت شن آلاف الغارات الجوية على قطاع غزة. ومنذ يومين دخلت الحرب مرحلة أكثر خطورة مع إطلاق الجيش الإسرائيلي عمليات توغل بري لمسافات أعمق داخل قطاع غزة وهو ما يثير المخاوف بإعداد أكبر من الضحايا. بموازاة ذلك، فإن الهجمات الجوية والمدفعية التي يواصل الجيش الإسرائيلي شنها في كافة أنحاء قطاع غزة لا تتوقف. كما لا تتوقف الجنازات التي تتم على عجل غير مسبوق لضحايا آخرين، بينما يتم اللجوء إلى دفن الكثير في مقابر جماعية بسبب النقص في المقابر. والعائلات التي تخشى من تعرضها للقصف بعد ذلك لجأت إلى حيلة كتابة أسماء أطفالها على أرجلهم للتعرف عليهم وسط الفوضى الحاصلة. ويُقتل المزيد على مدار الساعة بينما تكثف إسرائيل غاراتها الجوية على ما تقول إنها أهداف عسكرية لحركة حماس في قطاع غزة الذي يجد أكثر من 2.3 مليون شخص أنفسهم محاصرين وسط الرعب. وكرر الجيش الإسرائيلي إنذاراته للسكان بالإخلاء في منطقة جنوب وادي غزة وهو أمر وصفته الأمم المتحدة بأنه غير إنساني وانتهاك محتمل للقانون الدولي. لكن حتى أولئك الذين يستطيعون بطريقة أو بأخرى القيام بالإخلاء إلى وسط وجنوب قطاع غزة تحت القصف والحصار لا يجدون الملجأ الآمن. إذ أن الموت يلحق الكثير من النازحين ولا أحد يستطيع المغادرة باعتبار أن الحصار الكامل أغلق المعابر والحدود. فيما الغذاء والماء والإمدادات الطبية تنفد ويصبح البقاء على قيد الحياة أصعب في كل ساعة. لأكثر من 35 ساعة تقريبا، شهد قطاع غزة من مساء الجمعة انقطاعا كاملا لخدمات الاتصالات والانترنت. وقالت شركة الاتصالات الفلسطينية (جوال) في حينه إن القصف الإسرائيلي دمر جميع الطرق الدولية المتبقية التي تربط غزة بالعالم الخارجي. وفيما ظلت الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية المستمرة تضيء سماء مدينة غزة فإن قطع الاتصالات أدى إلى غموض في معرفة المواقع المستهدفة وعدد الضحايا وتفاصيل التوغلات البرية. وتسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت بشلل تام في قدرات المنظومة الصحية وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، بحسب جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. ومع صباح اليوم (الأحد)، عادت خدمة الاتصالات والانترنت بشكل جزئي بعد إصلاح طواقم مختصة بعض الأضرار. وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن إسرائيل قطعت جميع وسائل الاتصال والإنترنت واقترف "عشرات المجازر" في المناطق السكنية التي قصفتها بأحزمة نارية خلفت مئات القتلى والجرحى العشرات منهم لم يتم اكتشافهم إلا صبيحة اليوم، على حد قوله. وبحسب وزارة الصحة في غزة فإنها تلقت 1870 بلاغًا عن مفقودين تحت أنقاض مباني مدمرة بينهم 1020 طفلاً. لكن مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة قال إن أعداد الضحايا من القتلى هو أكبر من العدد المعلن من وزارة الصحة نظرا لوجود أعداد كبيرة تحت الأنقاض، وهناك مناطق حدودية يتعذر على طواقم الإنقاذ الوصول إليها. وتواجه طواقم الدفاع المدني صعوبات بالغة في عمليات الانتشال والإنقاذ نتيجة الافتقار للإمكانيات والأدوات المختصة، ونقص الوقود للعربات والآليات البسيطة، فضلاً عن الاستهداف المتكرر لها. وأمام ذلك يجد عمال الإنقاذ وعناصر الدفاع المدني أنفسهم مجبرين على إعادة توجيه مهامهم. إذ أصبحوا أمام كثافة بلاغات عن مفقودين، ما يدفعهم إلى الامتناع عن محاولة انتشال الجثث في مهمة قد تستغرق ساعات، والاندفاع إلى مناطق أخرى لانتشال الذين ما زالوا على قيد الحياة. ومع نقص معدات الإنقاذ والاستهداف المتكرر لطواقمه، قال الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنهم يتبعون خطة تعطي الأولوية لمحاولة إنقاذ الأحياء في هذه المرحلة. وذكر بصل أن هجمات إسرائيل تتواصل في أماكن مختلفة في نفس الوقت، ويتم استهداف عشرات المواقع في غضون دقائق، فيما لديهم معدات وأفراد طاقم محدودين للغاية للتحرك. وقال "علينا أن نختار بين قضاء ساعات في محاولة انتشال عدد من الجثث، أو إعطاء الأولوية للمصابين المحاصرين تحت الأنقاض قبل أن يفارقوا الحياة". وأضاف "إذا علمنا أن هناك شخصاً ما يزال على قيد الحياة، فقد يستغرق الأمر ساعات لانتشاله من تحت الأنقاض، لكن لا يمكننا تركه هناك أبداً". ومما يزيد من تفاقم الأزمة لدى عمال الإنقاذ عدم توفر الوقود اللازم لآلياتهم في رفع ركام المباني السكنية متعددة الطوابق والوصول إلى الضحايا. وفرضت إسرائيل في اليوم الأول من هجماتها إغلاقا محكما على قطاع غزة، وقطعت إمدادات الغذاء والمياه والوقود باستثناء عدد محدود من شاحنات الإمدادات الإنسانية سمحت بإدخالها عبر معبر رفح مع مصر. بموازاة ذلك، تسبب القصف الإسرائيلي للعديد من مرافق البلديات إلى جانب عدم توفر الوقود، بتعطل ترحيل النفايات فاتحا المجال لكارثة إنسانية غير مسبوقة. وكانت إسرائيل قد أعلنت قبل ثلاثة أسابيع حالة الحرب لأول مرة منذ 50 عاما، وأطلقت عملية عسكرية باسم "السيوف الحديدية" بعد قيام حركة حماس بشن هجوم مباغت أطلقت عليه اسم "طوفان الأقصى"، ما أسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي وأكثر من 7700 فلسطيني في حصيلة قابلة للزيادة. ■
مشاركة :