يهدف اتفاق أبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى الحد من تدفق المهاجرين على أوروبا، مقابل امتيازات مالية وسياسية تقدم إلى أنقرة، لكنه قد ينهار في غضون أشهر نظرا لعدم قدرة الطرفين، فيما يبدو، على الوفاء بالالتزامات، حسب عدد من المحللين والخبراء. وأول من أمس تبادل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك ابتسامات الارتياح، بعد أن توصلا إلى اتفاق تستعيد بموجبه أنقرة جميع المهاجرين واللاجئين الذين يعبرون إلى اليونان، في مقابل المزيد من الأموال، والموافقة بشكل أسرع على سفر الأتراك لدول الاتحاد دون تأشيرات، وتسريع طفيف لمحادثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. لكن لكي تتمكن تركيا من وقف تدفق المهاجرين على أوروبا فإنها ستحتاج، حسب خبراء، إلى عملية إعادة انتشار كبيرة لأجهزتها الأمنية للقضاء على عمليات تهريب البشر المربحة، في وقت يرى فيه الرئيس رجب طيب إردوغان أولويات أخرى أكثر إلحاحا، وفي وقت أعلنت فيه السلطات التركية أنها اعتقلت 3 آلاف من المهاجرين المحتملين أول من أمس. لكن مسؤولين يونانيين قالوا إن أنقرة لم تفعل شيئا يذكر لوقف تدفق المهاجرين منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أبرم الاتحاد الأوروبي وتركيا اتفاقا أوليا. لكن لكي يتمكن الاتحاد الأوروبي من إعادة توطين آلاف اللاجئين السوريين بشكل قانوني مباشرة من تركيا (واحد مقابل كل سوري عاد من الجزر اليونانية) فإن غالبية الدول الأعضاء ستحتاج في هذه الحالة إلى استقبال لاجئين أكثر مما كانت تريد حتى الآن. لكن في ظل المناخ الشعبوي الحالي المناهض للهجرة داخل كثير من البلدان فقد تكون المهمة عسيرة. ولم يوضح البيان المشترك من الذي سيقوم بإعادة المهاجرين، غير الراغبين ربما في مغادرة اليونان إلى تركيا، وهي مهمة قد تقع على عاتق وكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي (فرونتكس) تحت أنظار وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية. فيما يقول مسؤولون يونانيون إنهم يشعرون بالقلق من أن تتحول المهمة إلى أعمال عنف. وقد تؤدي صور تسفير أفغان أو عراقيين أو سوريين ضد رغبتهم إلى انتقادات دولية، خاصة بعد أن نشرت منظمة العفو الدولية صورة مروعة للاجئين، يرتعدون وراء أسلاك شائكة خارج مركز انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي، ويحملون شعارا يقول: «لا تتاجروا باللاجئين.. أوقفوا الاتفاق». وتواجه اليونان بالفعل تحديا لوجيستيا ضخما بسبب تكدس 43 ألف مهاجر في البلاد، منذ أن أغلق جيرانها في الشمال الحدود في ظل استمرار وصول آخرين يوميا، وإن كان بوتيرة أبطأ. لكن لكي يمنح الاتحاد الأوروبي الأتراك حق السفر دون تأشيرات بحلول نهاية يونيو (حزيران) المقبل، فإنه يحتاج أيضا قفزة في الثقة بين الجانبين لأن أنقرة أوفت حتى الآن فقط بأقل من نصف الشروط المطلوبة، والبالغ عددها 72. فيما يؤكد مسؤولون أوروبيون على أن الكرة الآن في ملعب تركيا لإقرار القوانين اللازمة، وتغيير نظام التأشيرات الخاص بها مع الدول الأخرى، لا سيما الإسلامية. وتمكن الاتحاد الأوروبي من تجنب حجر عثرة محتمل بشأن قبرص، وذلك من خلال الموافقة على اقتصار تقدم مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي على مجال واحد، وهو الميزانية الذي لا تحظره نيقوسيا. وقد أدى ذلك إلى تجنب مواجهة بسبب رفض أنقرة فتح الموانئ والمطارات التركية أمام حركة النقل القبرصية. كما يذكر الاتفاق أنقرة أيضا بالتزاماتها تجاه الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والذي يجب أن تفتح موانئها بموجبه. وإذا حالف الحظ الجانبين فقد لا تمس قضية قبرص العويصة اتفاق الهجرة لأشهر، مما يتيح الوقت لمحادثات السلام الجارية الآن، والتي قد تؤدي إلى إعادة توحيد الجزيرة الواقعة في شرق البحر المتوسط بعد ما يربو على 40 عاما من الانقسام. ولذلك يعتزم قادة الاتحاد الأوروبي، اليائسون من وقف فوضى تدفق الهجرة، تعليق انعدام الثقة، وغض الطرف عن الشكوك القانونية على الأقل في العلن لأنهم لا يملكون بديلا أفضل. لكن لا تزال لديهم بعض دواعي القلق. وفي هذا السياق، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي شاركت في هندسة الاتفاق، إن الاتفاق قد يواجه انتكاسات وتحديات قانونية كبيرة، لكنها عبرت عن أملها في يكون الاتفاق قد حقق «زخما لا رجعة فيه». فيما قال تاسك الذي ترأس القمة إن الاتفاق أفضل ما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقوم به في الوقت الراهن، مضيفا أن «ما لا يدرك كله لا يترك جله». كما أقر مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي بأن «هناك بنودا كثيرة في الاتفاق لا معنى لها بشكل واضح.. وستترك تفاصيل كثيرة لصياغتها في وقت لاحق على مستوى أدنى». ويعتقد بعض الخبراء أن القادة الأتراك لا يتوقعون أن يفي الاتحاد الأوروبي بتعهده بشأن التأشيرات، وإعادة توطين اللاجئين أو محادثات العضوية، وأنهم يخططون لتحويل الفشل المتوقع إلى مكاسب سياسية على المستوى المحلي. وبهذا الخصوص قال مايكل لي، من مؤسسة صندوق مارشال الألمانية البحثية والمدير العام السابق بإدارة توسع الاتحاد الأوروبي: «يعرف داود أوغلو وإردوغان جيدا أن أيا من الطرفين لن ينفذ.. وما يريده إردوغان هو تغيير السلطة في الدستور.. ومن ثم سيقدم على ذلك في لحظة مناسبة مثل الخيانة الأوروبية، ويدعو لاستفتاء للحصول على المزيد من الصلاحيات»، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي على الأكثر قد ينفذ الجزء المالي من الاتفاق إذا دفعت ألمانيا نصيب الأسد من ثلاثة مليارات يورو إضافية (3.4 مليار دولار) تلقت بها أنقرة تعهدات لدعم اللاجئين السوريين في تركيا. وبينما تجاهلت ميركل الحديث عن الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي عندما صاغت اتفاق الإطار مع داود أوغلو الأسبوع الماضي، أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنه سيتمسك بالتزام تركيا بتلبية جميع معايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بدخول دول الاتحاد دون تأشيرات. ويتشكك دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي في أن أنقرة ستكون قادرة على تلبية جميع المعايير المطلوبة في الوقت المناسب، لكن الحاجة الملحة للسيطرة على أزمة الهجرة جعلتهم يفضلون التوصل إلى اتفاق الآن والتعامل مع أوجه القصور في وقت لاحق.
مشاركة :