هو من شخصيات الوطن التي خدمت الدولة منذ بواكير الشباب، ومن الذين أسهموا كثيراً في العمل الخيري بكل ما يقدر طيلة حياتهم، بل لم يدخروا أي وسع في هذا الميدان المشُرف، فكانت له مجالات واسعة في البر والإحسان وبذل المعروف، وكان ملبياً لكل نداء إلى صنع المعروف، فالوجيه محمد بن صالح بن سلطان -رحمه الله- من أولئك الذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير والثروة، لكنه سخّر جزءاً من ماله لخدمة ذوي الحاجات والمعدمين واليتامى والأرامل، كنت أسمع عن مساعيه الخيّرة قبل زمن ليس قصيراً، فكان له عند الناس لسان ثناء ومدح وإطراء. وُلد محمد بن صالح بن سلطان -رحمه الله- في حريملاء 1337هـ، وتعلّم القراءة والكتابة في بلدته، وفي سيرته الذاتية الموجزة نال الشهادة الابتدائية من مدرسة في حريملاء، عاش طفولته وشطراً من شبابه في حريملاء، والعيش قبل النفط وتدفقه على هذه البلاد يختلف جذرياً عما بعد النفط، فقد عاش كلا الحالتين خاصةً في نجد، وفي عام 1353هـ رحل من مسقط رأسه إلى العاصمة الرياض، وكان عمره 18 عاماً بقصد طلب الرزق الحلال كما هو شأن أترابه في زمن محدود الموارد وسبل لقمة العيش تعد بالأصابع، وعندما حلَّ بالعاصمة تعيّن بالمجاهدين وكان محل التعيين بلدة رنية، وعمل في إمارة رنية، ثم في عام 1356هـ عين في إمارة نجران كاتباً للبرقيات واستقال عام 1363هـ. رجع محمد بن سلطان إلى العاصمة الرياض بعدما ترك نجران وعيّن في برقيات الديوان الملكي، ومن هذه اللحظة أصبحت شخصيتنا تترقى في درجات السلم الوظيفي الحكومي فكانت وظيفته كاتباً للبرقيات. وكيل وزارة في عام 1369هـ انتقل محمد بن سلطان -رحمه الله- إلى وزارة الدفاع التي لا تزال في طور التحديث والتطوير، فعاصر هذه الوزارة مدة 14 عاماً متوالية، فهو شاهد عصر لهذه الوزارة، صحيح أنه ليس عسكرياً فيها، لكنه تعيّن إدارياً مدنياً، فعرف وخبر هذه الوزارة التي هي من أوائل الوزارات التي استحدثت في الدولة بعد وزارة الخارجية ووزارة المالية، فكان أحد موظفيها المدنيين القدامى ومن الأوائل حتى اعتلى منصباً قيادياً فيها، وكان آخر منصب له هو وكيل وزارة الدفاع والطيران بأمر ملكي عام 1376هـ، وقبل تعيينه في هذا المنصب كان قد تعين أولاً رئيساً للمكتب الخاص عام 1369هـ، وفي عام 1372هـ عُيّن مديراً لديوان وزارة الدفاع والطيران، وبتاريخ 1 /3 /1373 عيّن مديراً لديوان وزارة الدفاع والطيران، وبتاريخ 1 /10 /1373هـ عيّن مديراً عاماً. وفي 1383هـ تعيّن شخصيتنا في الديوان الملكي رئيساً للشؤون الإسلامية بالديوان، وكان بقائه في الديوان الملكي هذه المرة قصيراً إذ استقال من الأعمال الحكومية عام 1384هـ بعد أن أمضى في خدمة الدولة 31 عاماً. بذل الإحسان كان حب الخير للناس وبذل الإحسان صفة دائمة لمحمد بن سلطان -رحمه الله- طبع عليها وترسخت في أعماقه وأصبحت كالدم يجري في جسمه، بل يتنفسه، كأنه يتنفس المعروف والبذل، وتشهد بذلك أعماله في الميدان، فهو من الأجواد، وأعني بذلك من الجود، وكان مثالاً يحتذى وقدوة في صنائع المعروف، وكثر شاكروه وحمدت سيرته وخلد اسمه في ديوان الإحسان، فكان في غاية العطاء لأبناء وطنه، بل تعدى هذا الكرم إلى خارج وطنه، وهكذا الكريم المعطاء يلبي نداء الاستغاثة وكل ما فيه مصلحة للوطن والمواطنين، لا يتوقف إذا سئل أو يتردد إذا طلب منه المساهمة في مشاريع تنموية، فكان سباقاً وفارساً من فرسان البذل، هذا مع طيب كلامه وعذوبة أحاديثه وابتسامته المعهودة المرسومة على محياه، فكان يتحدث عن التواصل بين الأهل والترابط بينهما، وهو دائماً حاضراً في المشهد سواء كان وطنياً أو اجتماعياً، فكان شخصيتنا قامة من القامات الوطنية والإنسانية المتميزة في هذه البلاد الطيبة. دعم وتشجيع ومن الأعمال الخالدة والمنجزات التي تدون في تخليد محمد بن سلطان -رحمه الله- الجائزة التي أطلق عليها جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة، فهذه الجائزة هي للمتفوقين ذوي الحاجات الخاصة، ولا شك أن هذا له أثر فعّال وقوي ومؤثر في دعم وتشجيع هؤلاء المتفوقين، وبوركت هذه الجائزة حينما خصصت لهؤلاء الذين هم جزء من المجتمع، وقد قامت دراسة حول هذه الجائزة، قام بها فريق يتكون من متخصصين من أرباب التربية، وقد قامت بتوزيع استبيان نسخة للطالب المتفوق ونسخة استبيان لأولياء الأمور، وحسناً فعل هذا الفريق المبارك حينما صنع هذه الدراسة الميدانية ليرى ويشاهد نتائج هذه الجائزة، وهل حققت أهدافها التي رسمت من أجلها؟، وفي الواقع أن هذه الجائزة أثمرت وحققت نجاحات متوقعة، وهذه الجائزة أسسها وتولاها أبناء شخصيتنا، فهم يشكرون ويذكرون بالخير، وهذا من أفضل البر بالوالدين بعد رحيلهما، وهي كذلك تخليد لذكر ابن سلطان الذي كانت له مآثر وآثار ما زالت باقية، ومن المآثر التي بقيت دعمه لجمعية تحفيظ القرآن في حريملاء، ومشاركته في تأسيس بيت الجماعة فيها، وغيرها من المشاريع الخيرة ودعمه للجنة الأهلية بحريملاء. خبرة إدارية وحينما تقاعد محمد بن صالح بن سلطان -رحمه الله- من الوظيفة الحكومية اتجه إلى إدارة بعض الشركات الوطنية، وكانت له خبرة إدارية ليست هينة، لذلك عيّن مديراً عاماً لشركة أسمنت اليمامة السعودية، وهذه الشركة من أوائل الشركات الوطنية التي تأسست في العاصمة الرياض لإنتاج الأسمنت، واستمر يدير هذه الشركة العملاقة عامين، وكانت هذه أول تجربة إدارية لقطاع خاص يتولاه شخصيتنا، ولعلها كانت الخطوة الأولى في عالم المال والأعمال الذي كان له رحلة طويلة مع هذا العالم. وتأسست شركة كهرباء الرياض في السبعينات الهجرية، وكان أول مدير لهذه الشركة هو فهد بن صالح الكريديس، وكان موقعها جنوب شارع الجامعة، وجلبت لها مولدات ألمانية كما أخبرني يعقوب الرشيد الذي كان سكرتيراً لمدير هذه الشركة، فكان أن تولى قيادة هذه الشركة محمد بن سلطان، وكانت هذه تجربة ثانية تضاف إلى رصيد الخبرات في سجله الزاخر والعامر، وقد قاد هذه الشركة عامين وذلك في 1387هـ واستقال منها 1389هـ. اليمامة الصحفية وعندما أصبحت صحيفة اليمامة مؤسسة بعدما أُلغيت صحف الأفراد، أُطلق عليها مؤسسة اليمامة الصحفية، وهنا أصدرت صحيفة "الرياض" وقبلها مجلة اليمامة، فكان محمد بن سلطان -رحمه الله- عضواً مؤسساً في مجلس الإدارة، وفي 1404هـ صار رئيساً لمجلس الإدارة بالانتخاب حتى وفاته 1424هـ، وقد قفزت "اليمامة" وصحيفة "الرياض" قفزات نوعية من حيث التطور التقني والإداري والصحفي وذيوع انتشارها في أرجاء الوطن، وقد عاصرت بعضاً من هذا الإنجاز مع الجهود المتميزة والرائعة والإبداعية ممثلة في رئيس التحرير الزميل الرائد الصحفي تركي بن عبدالله السديري -رحمه الله- الذي يعد مدرسة صحفية وأستاذاً للصحافة السعودية والفريق الصحفي الذي يسانده. مال وأعمال ومنذ 1389هـ بدأ في عالم المال والأعمال والتجارة، وكما هو أكثر أو معظم رجال الأعمال يبدأ في العقار الذي يعد أهم تجارة مربحة، ولم ينشط العقار نشاطاً ملحوظاً إلاّ بعد 1393هـ بعد ارتفاع أسعار البترول، ثم بدأت مرحلة الطفرة في العقار وافتتاح الصندوق العقاري، فكان أن ارتفعت أسعار الأراضي وبدأت المساهمات العقارية في العاصمة وغيرها من مدن المملكة، ومحمد بن سلطان -رحمه الله- بدأ في العقار بالبيع والشراء قبل ارتفاعه وكان ذلك 1389هـ، وهذه كذلك رحلة من محطات حياته الطويلة، وقد وفق في هذا المجال التجاري. والمستشفى الوطني أحد الصروح الصحية في العاصمة، وهو من أوائل الصروح الصحية الأهلية، وكانت التجربة في هذا المجال الصحي رائدة يوم كان اتجاه رجال الأعمال إلى التجارة التقليدية مثل قطاع العقار وقطاع التجارة الأخرى، لكن ابن سلطان مع مجموعة من رجال الأعمال والأطباء أقدموا على هذه التجربة وبنوا هذا الصرح ولا يزال هذا المستشفى شامخاً قائماً. وقد أسّس شخصيتنا المؤسسة الصالحية للتجارة والتوكيلات والأدوية بالرياض وفروعها، ثم بعد ذلك أسّس مؤسسة وردة الصالحة بالرياض، كما أشرف على أعمال شركة المنتجات الحديثة -كراش-. مناصب وقيادة وعمل محمد بن سلطان -رحمه الله- رئيساً للمجلس البلدي لمدينة الرياض وهذه وظيفة فخرية استشارية بالانتخاب مدتها ثلاث سنوات جددت لدورتين 1390-1396هـ، وعمل عضواً في هيئة تطوير الرياض، وعمل عضواً بمجلس إدارة البنك الزراعي العربي السعودي، وعمل عضواً بمجلس إدارة شركة الغاز والتصنيع، وكذلك عمل نائباً لرئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للطوب الرملي، وعمل عضواً بمجلس إدارة جمعية البر بالرياض وكان من الداعمين لهذه الجمعية منذ تأسست فكان لا يبخل عليها، وعمل عضواً بمجلس إدارة بنك الجزيرة ثم رئيساً لمجلس إدارة البنك لدورتين، وعمل عضواً مؤسساً بشركة القصيم الزراعية. دروع وشهادات وحصل محمد بن سلطان -رحمه الله- على الكثير من الشهادات التقديرية والدروع وفاء وشكراً وتقديراً لمسيرته العطائية الطويلة ودعمه غير المحدود الخيري، ومن هذه الشهادات والدروع شهادة تقديرية من أمانة مدينة الرياض في عام 1406هـ، بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشائها تقديراً للتعاون مع الأمانة أثناء توليه رئاسة المجلس البلدي، شهادة تقدير وشكر من الرئاسة العامة لجماعة حركة الدعوة الإسلامية بجمهورية سيراليون تقديراً لمشاركته الإيجابية والمساهمة الفعالة لإنجاح الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في بلاد سيراليون من 1410هـ حتى 1416هـ، درع وشهادة تقدير من مكتبة الملك فهد الوطنية بمناسبة حفل افتتاح المكتبة في 5 /9 /1417هـ تقديراً لتعضيد مسيرتها من خلال مشاركته في لجنة الأهالي ودعمه في إنشاء المكتبة، درع من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميراً لمنطقة الرياض رئيس جمعية البر الخيرية عام 1422هـ لدعمه الجمعية ومشاركته في مجلس إدارتها منذ تأسيسها، ودرع شكر من الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمدينة الرياض عام 1423هـ، وفي عام 1423هـ منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى كأحد رجال الأعمال المتميزين. مساهمة فعّالة وبعد وفاة محمد بن سلطان -رحمه الله- عام 1425هـ مُنح درعاً من اللجنة التنفيذية لمؤتمر العالم الإسلامي لمساهمته الفعالة والملموسة في قضايا الأمة الإسلامية ولتحقيق أهداف وغايات مؤتمر العالم الإسلامي، ومن خلال هذه المسيرة الطويلة نجد أن ابن سلطان يبادر لكل عمل فيه مصلحة للوطن، وما هذه الشهادات والدروع إلاّ رمز لبعض أعماله الخيرية التي يعرفها الناس، والبعض الآخر لا يُعرف، فهو منذ أن وهبه الله المال والجاه والمكانة الاجتماعية سباق للخيرات، فرحمة الله عليه وجعل مستقره في الفردوس الأعلى، توفي محمد بن سلطان بتاريخ 15 من شهر رجب 1424هـ ودفن في مقبرة العود. وفي الختام أشكر منصور بن محمد بن صالح بن سلطان على ما زودني به من سيرة والده. محمد بن صالح بن سلطان -رحمه الله- محمد بن سلطان مُنح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ابن سلطان كان مثالاً يحتذى وقدوة في صنائع المعروف 4- أقدم ابن سلطان ومجموعة من رجال الأعمال والأطباء على بناء المستشفى الوطني
مشاركة :