بقلوب مفعمة بالحزن والأسى.. فقدنا رجلاً صالحاً، وقدوة إنسانية وتربوية وأخلاقية.. إنه العم الشيخ محمد بن عبد الله بن زعير الذي وافته المنية بعد معاناته المرضية، فغادر هذه الدنيا بهمومها ومتاعبها عن عمر يناهز (91 عاماً)، تغمده الله بواسع رحمته. والفقيد كان رجلاً تقياً.. صاحب قيم فضيلة وشيم أخلاقية.. قضى حياته في عالم الزهد والتقى، وتكريس الأعمال الصالحة.. لم تكن بوصلة اهتمامه تتجه إلى المال والانغماس في حب الدنيا وزخارفها، بل كان رجلاً تقياً انصرفت حياته الإيمانية إلى محطات الزهد والعبادة والورع، والتقوى، ولا غرو في ذلك فقد كان الفقيد صاحب قلب نقي وتقي يتسع حباً ومودة لأحبابه.. قلباً لا يعرف الكراهية والضغينة والأحقاد والحسد، بل كان صاحب قلب سليم منصرفاً للخير والعمل الصالح يقول تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. كان -رحمه الله- معروفا بقيم الكرم والجود، وكان بيته منذ أن كان في (حي البطيحة) أشهر الأحياء الشعبية بوسط العاصمة الرياض (مفتوحا) للأقارب والعوائل يكرم ضيوفه ويستقبلهم بكل فرح وطيبة متناهية حتى أصبح بيت (الزعير) دائما عامراً بالأهل والأحبة، يتعاقب عليه الداخل والخارج يدفئ الجميع بحبه وكرمه، ويرويهم من معين ترحيبه وبشاشته.. ومعروفاً عند محيطنا القرابي الواسع الكل يزور فقيدنا (أبا إبراهيم) في داره العامرة وصار مضرب مثل بالكرم الحاتمي مع زوجته الراحلة والمرأة الصالحة سارة بنت حماد الداود -رحمها الله- ولا غرابة من هذه القيم الاجتماعية التربوية الأصيلة، فالفقيد كان رجلا جُبل على حّب الكرم وتقدير كل من يزوره في بيته وزيارة والدته التي كانت تسكن عنده، وعرف عنه برّه بوالديه حتى أن والدته (سارة بنت محمد العسكر) ومن عظم بّره بها توفيت -رحمها الله- بين يديه بعد أن (تشّهدت) قبل وفاتها بلحظات.. وما أجمله من حسن ختام. إن صفة الكرم قرين كثير من الصفات الشخصية الطيبة.. فهو قرين الحلم والصبر والإيثار والمروءة وحب الخير والإحسان للناس، وكما يقول بعض الحكماء أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام، وسخاؤها بما يملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير من فروعه، ولذلك كان الفقيد (أبا إبراهيم) من أهل الكرم والنخوة والجود. كما اتصف -رحمه الله- بحسن الخلق لأنه كان يؤمن أن الأخلاق الحسنة والقيم الفاضلة لها مكانة عظيمة في الإسلام، ولا يصح الإيمان، بدونها يقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، ومكارم الأخلاق -لاريب- أثقل شيء في ميزان يوم القيامة. عرف عن الراحل عفة اللسان وحسن الصمت.. والصمت نصف الحكمة كما قيل.. حتى في المجالس كان يكره الغيبة والنميمة والخوض في أعراض عباد الله.. وعندما تذكر عنده الغيبة كان يقول لصاحبها (اذكر الله واترك خلق الله)،! وكما يقول أحد السلف الصالح لو كانت للغيبة رائحة لما جلس أحدهم في مجلس تذكر فيه الغيبة..!! هكذا كانت تنشئته التربوية والأخلاقية والاجتماعية في سياقها الديني.. تنشئة شكلت شخصية تنفرد بعدة خصائص وسمات.. في التواضع والابتسامة والكرم واحترام الصغير قبل الكبير والصمت والإيثار وإنزال الناس منازلهم وحسن الخلق وصفاء السريرة ونقاوة القلب، ومراقبة الله في السر والعلانية. ما أروعها من قيم فضيلة، وشيم نبيلة التي كانت متأصلة في شخصية فقيدنا الغالي وشكلت مدرسة تربوية في كثير من الخصال الحميدة والأعمال الصالحة.. فرحم الله رجل البًر والإحسان (محمد بن زعير) وأسكنه فسيح جناته، وجعله في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
مشاركة :