ذاكرة.. الفأس أو الشجرة!

  • 11/4/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

‏(الأحداث التاريخية الكبرى) هي صدمة الوعي في ذاكرة البشرية؛ لأنها تمتلك القدرة على إحداث تغييرات تراكمية نوعية في مجرى التفكير والإدراك الجمعي، فما يدفعه شعب للحفاظ على أرضه وعرضه اليوم من ثمن مكلف لا يتبدد بالتقادم ولا يمحى في العدم، والعودة إلى نقطة سابقة لهذا الحدث غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة، خسائر الأرواح ودماء الأبرياء ودمار الدور على رؤوس قاطنيها وإبادة الأسر هي بمثابة (زلزال مدمر للمعادلة السابقة).. ففي علم النفس اليأس قد يخلق من الإنسان شخصا آخرا فمن رأى ويلات القصف على المدنيين وخسر كل عائلته أمام عينيه دون قدرة على إسعافهم قد يفقد عقله كل ألوان التفكير عدا لونا واحدا.. (وهل لرحم الظلم أن يلد إلا جنين الانتقام)! الاستقطابات الأحادية والقمع الغربي الكبير للعالم على مبدأ (من ليس معنا فهو ضدنا) - شعار لم يعد يغني في العصر الرقمي، وبغض النظر عن الأجندات واختلاف الحسابات والمصطلحات السياسية بين شعب مدني وعصابات مسلحة أو عدو محتل ومقاومة أهل الأرض - فإن تكرار المأساة وإزهاق الأرواح لا يمكن أن يحمل في طياته الاستقرار لأي مجتمع ناهينا عن التوترات الناجمة وما رأيناه من تفاعل في أقطار العالم هو أحد الانعكاسات.. موجز المعنى- السلام في منطقة الشرق الأوسط أمر حيوي للسلام العالمي. الأيديولوجيا، عادة ما تعرف بأنها منظومة متكاملة من الأفكار والمعتقدات والمواقف العامة وهي تقدم التفسيرات للأسس الأخلاقية للأحداث وتتمتع بأنها ذات قدرة على صنع أنماط سلوكية معينة كرد فعل على الوقائع الراهنة على المستوى المحلي أم العالمي.. وبيت القصيد أنها مبنية على (فكرة)! اليوم المشهد على ضفة غزة يصنفه الفلسطيني مستحضرا كل مآسي أسلافه - كحرب إبادة ومعركة كرامة، ونفسية الشعوب متمايزة، فتأثير ما يخضع له مجموعة من البشر معا لفترة طويلة من التجارب والأفكار والمشاهدات يشكل انصهارا مميزا في المفاهيم النفسية الجمعية التي تتحكم في حياتهم وسلوكياتهم وردود أفعالهم المستقبلية.. وما يراه الشباب على وسائل التواصل من فظائع في الأرواح أوقع المنظومة الغربية في بؤرة صارخة من الفشل وازدواجية المعايير، الجيل العربي الجديد لديه معركة مهمة مع مواقفه وسلوكياته وتصوراته الذهنية.. فهو لم يبدأ فقط بالتشكيك في نزاهة ومصداقية الإعلام وسرديات التاريخ وموثوقية القيم الإنسانية التي يحاضر عنها الغرب في المحافل الدولية - بل بدأ في مراجعة إعجابه بالغرب ككل! ذاكرة التاريخ لا تمحى.. وذاكرة التاريخ هي الأبقى.. نعم.. هكذا ينبئنا علم الاجتماع.. ‏تراكم الظلم وغياب العدالة لا يمر مرور الكرام فلم يستطع العالم يوما محو فكرة المقاومة ضد الظلم، وإذا ما كان كوكب الأرض قائما على التشابك والتبادل كما هو الحال كان الظلم في أي شكل ومكان عدوا للعدالة في كل شكل ومكان. اليوم يرزح العالم ما بين مطرقة إصرار أمريكا على ترسيخ مبدأ سيادة القطب الأوحد وسندان نظرية فرعون إسرائيل المتوحش المهيمن وترويض العبيد الفلسطينيين غير-الخانعين كما يراهم الإسرائيليون.. وفي ظل انعدام الأفق للتسويات السريعة يتعقد المشهد بشكل حاد على مسار تحقيق (السلام).. فأنى يمكن إدارة المفاوضات مع العالم الغربي بكل ما يبثه ويكرسه عبر النخب السياسية والثقافية والإعلامية من النظرة العنصرية الفوقية، وكيف يمكن إقناع من تبقى من الشعب الذي تعرض لأبشع وأشنع حرب إبادة جماعية في العصر الحديث؟ وهل نسي الناس جرائم الفاشية وفظائع النازية يوما؟ عبر التاريخ والأزمان الغابرة لم ينس شعب في الأرض مظلوميته أبدا.. فالفأس ينسى والشجرة لا تنسى! فيم بين سلسلة النزاعات العالمية - هناك صراع جديد يتحدى الوئام العقلي للشباب العربي.. هو حالة من عدم التطابق بين معتقدات وسلوكيات وقيم الجيل الجديد، ومحوره التنافر بين الصور الذهنية المختزنة والصور المشاهدة على وسائل التواصل والتي تمثل عمودا رئيسا في مخزونهم المعرفي عن العالم الخارجي - الأمر الذي يؤدي إلى توتر نفسي كبير، فيتساءل السائلون لرؤية الصورة الكبيرة - عن مصداقية معتقداتهم وفرضياتهم وصحة تصرفاتهم، وهنا تتمايز طريقة المعالجة؛ فالبعض يهرب من الأمر ومنهم من يراجع قناعاته ووجهة نظره ومنهم من يراجع تصرفاته ومواقفه والبعض قد يحاول التراجع وتغيير طريقة إدراكه لأفعاله حتى يحصل الانسجام بين ما يختزنه وما يستقبله من العالم الخارجي من مشاهدات وقناعات وخطابات، الخلاصة غياب العلم بالأسباب طريق لا يؤدي إلى التقدم فتعزيز تحديث الوعي عن اللاوعي هو الوثبة الحضارية الحقيقية..(روح الماضي هي رئة الحاضر)..! والوعي أس الحضارة وقاطرة الإغاثة.. فإذا كان الجهل بما يجري أمرا مريعا فالعلم به أهم وأروع. المسرح العالمي يؤكد سقوط القيم الغربية، فما نسمعه من مصطلحات عنصرية استعلائية كما (فئة ما دون مستوى البشر) هي شعارات إسرائلية وقحة تصنف أهل فلسطين بأنهم (كائنات غير-بشرية) في إسقاط دوني لاحتقار العرق - ناهينا عن اتجاههم الراسخ باحتقار العرق العربي بأسره! للتاريخ ذاكرة، ولطالما امتلكت فلسطين موسوعة في ذاكرة التاريخ، فعند كل الشدائد يشتد تمسك أهلها بوطنهم مهما كانت فداحة الخسائر مقابل الهجرة المعاكسة للشعب الإسرائيلي المرفه وهو الفرق بين أهل الأرض وغيرهم. غزة هي كارثة القرن 21.. وما يراه العالم من قوة الأطفال يمده بكم هائل من الأمل فكأن الله منحهم مستودعات الإرادة فمن تحت الأنقاض هم لا يزالون يهتفون - عاشت فلسطين حرة أبية.. شعب الجبارين.. طوفان غزة أغرق قيم الغرب في طوفان نوح.. فاليوم نشهد بزوغ فجر رقمي للوعي - ولعلها معادلة جديدة في الذهنية الشبابية اسمها (طوفان الوعي العربي)! في الانعطافات التاريخية تتجلى المعايير الأخلاقية العالمية، وما أظهره الإعلام الغربي في هذه الأزمة من التلاعب بالمحتوى الخبري أو العجز عن التصريح بالحقيقة أو إبداء التعاطف مع الضحية والمدنيين العزل أو التواطؤ بغض الطرف عن الجرائم المقترفة أو التحيز التام للطرف الأقوى - يمثل هشاشة القيم المهنية أو ما يسمى بـ (الجبن الأخلاقي). وإذا كان العقل هو الأب فالعاطفة هي أم البشرية.. فالعلم يبني الحضارة لكن المشاعر والمعتقدات تقود التاريخ. ياء الكلام.. التاريخ يصنع من قبل بطولات واعية للحقيقة.. والكون لا يمكن أن يدار يوما دون احترام (العواطف الإنسانية)!

مشاركة :