الفأس وشجرة الكرز

  • 3/31/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تقول القصة إن جورج واشنطن كان في السادسة من عمره، عندما تلقى فأسا كهدية، فاتجه على الفور إلى شجرة الكرز المفضلة لدى والده، وقام بقطعها. عندما اكتشف السيد واشنطن الأمر، ظهرت عليه علامات الغضب الشديد، ونادى ولده جورج ليسأله عمّا إذا كان من قطع الشجرة، فجاءه الجواب سريعا: نعم يا أبي أنا من فعل ذلك، ولا أستطيع أبدا أن أكذب عليك. كانت تلك الإجابة كافية لينطفئ غضب الوالد الذي بادر باحتضان ولده، وقال له بصوت خفيض: لا بأس يا ولدي، لا بأس يا جورج العزيز، إن صدقك يساوي ألف شجرة. عندما توفي جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، والقائد العام للقوات المسلحة للجيش القاري أثناء الحرب الثورية الأميركية، وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، في العام 1799، كان هناك طلب كبير في جميع أنحاء البلاد لمعرفة المزيد عن الزعيم الوطني الأول. وكان هناك رجل جمع بين شؤون الدنيا والدين حيث كان وزيرا وقسّا تحول إلى خطيب وبائع متجول مستعد لتلبية الطلب بصناعة قصص خيالية تتلاءم مع المكانة الأسطورية للبطل الراحل لدى شعبه. إنه ماسون لوك ويمز، المعروف أكثر باسم بارسون ويمز الذي كتب ونشر كتاب "حياة واشنطن" في عام 1800، والذي حقق مبيعات خيالية، وصدرت منه طبعات عدة، وكان يضع بعض الإضافات في كل طبعة جديدة، كإضافته قصة شجرة الكرز للطبعة الخامسة التي ظهرت عام 1806. ترى إيمي زيغارت وهي عضو بارز في معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في ستانفورد ومؤسسة هوفر، وصاحبة عدد من المؤلفات ذات الانتشار الواسع من بينها "جواسيس وأكاذيب وخوارزميات" أن أسطورة شجرة الكرز اخترعها كاتب السيرة الذاتية بالكامل، وجورج واشنطن استخدم الخداع والتزوير والتجسس لصالحه في الحرب الثورية” معتبرة أن "هذه الخدعات أساسية في التاريخ الأميركي". وكان هناك دائما من يعتقد أن من حق ويمز أن يخترع أيّ قصص جيدة لصالح أبطاله، فالشعوب في حاجة إلى رموز ومثل عليا، وإلى نبوءات وأساطير وبطولات تشكلّ بها وجدانها القومي، وإلى حكايات تتردد على ألسنة الأطفال في المنازل والمدارس ويكون هدفها تعظيم صورة البطل ذي المآثر الاستثنائية والذي يمثّل الشعب ويرمز إلى قوة الدولة. كان الكذب على الدوام فعلا مؤسسا في تاريخ البشرية، وقد يتحول إلى منتهى الإبداع من حيث اتساع الخيال لدى القاصّ والروائي وكاتب السيناريو، وإلى خدعة تكتيكية بأبعاد إستراتيجية حاسمة لدى المخطط العسكري، وإلى تضليل هدفه الانتصار على العدو في معارك الدعاية السياسية. وقد ترتدي الأكاذيب الكبرى ثوب القداسة فيصبح التشكيك في حقيقتها أقرب إلى الانتحار، وخاصة في المجتمعات التي اعتادت على الجمود الفكري والعقائدي وقررت أن تصدق الوهم وأن تضحي في سبيل الدفاع عنه. الأول من أبريل، ليس وحده يوما عالميا للكذب، وإنما هو مناسبة للكذب الأبيض لدى الهواة ممن لا قوة لهم حتى يحوّلوه إلى صناعة كما يفعل السياسيون والعسكريون والكتّاب الموهوبون وأجهزة الإعلام الموجهة.

مشاركة :