تتضاعف خطورة أوضاع المئات من جرحى غارات إسرائيل على قطاع غزة في وقت تواجه المستشفيات خطر الانهيار الشامل مع تواصل الحرب الدامية منذ السابع من أكتوبر الماضي. ويعيش المئات من المصابين بقطع أطرافهم في المستشفيات معاناة لا توصف، حيث لا يجد بعضهم من ينظف لهم الجروح بعد البتر، مما يعرضهم لخطر الإصابة بالعدوى والموت. وتئن مستشفيات غزة تحت وطأة الضربات الجوية الإسرائيلية والحصار المستمر للأسبوع الخامس على التوالي، ويصف الأطباء الذين يعالجون الضحايا من دون إمدادات طبية أساسية أو تخدير الواقع بـ "الكابوس الذي لا ينتهي". وفي مجمع الشفاء الأكبر في غزة تنتظر الطفلة سماح البحطيطي وأخرين دورهم في البتر لتبدأ معاناتهم من جديد، حيث يتم البتر بمخدر منخفض الجودة، مما يسبب لهم ألماً شديداً. ولا تتوقف سماح البحطيطي (9 سنوات) عن المطالبة برؤية والدتها وتصرخ باكية باستمرار "بدي (أريد) ماما". وقال والدها محمد البحطيطي إن زوجته واثنين من أبنائه قتلوا جراء غارة على منزله وسط غزة قبل ثلاثة أيام، فيما سماح تعاني منذ ولادتها من إعاقة والآن "تموت في اليوم ألف مرة من شدة الألم.. لا أدوية ولا مسكنات". وفاقم نقص الأدوية والمستلزمات الطبية الطارئة وتكدس الجرحى في المستشفيات من أوضاع الجرحى وعائلاتهم الذين اتخذوا من ممراتها أماكن للسكن . ووصف مروان أبو سعدة، استشاري جراحة ومدير التعاون الدولي في وزارة الصحة الفلسطينية الوضع داخل مجمع الشفاء بـ"الكارثي والكابوس المستمر"، جراء استقبال الجرحى على مدار الساعة وانعدام الإمدادات الطبية والوقود. وقال أبو سعدة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "في بعض الأحيان الجروح لا تنظف إلا كل 3 أيام لنقص الكادر الطبي، ولا يوجد خيوط جراحية للتقطيب، والمعقمات تكاد تنتهي". وأضاف أن هذه الجروح المفتوحة تعد بيئة خصبة للبكتيريا، مما يؤدي إلى الإصابة بالغرغرينا، ودخول الذباب إلى الجروح . وأشار إلى أن المصابين المبتورين "يأكلهم الدود والالتهابات وهم أحياء، مما يسبب تعفن الدم والأعضاء الداخلية والموت ببطء". ومنذ تفجر الصراع، عقب شن حركة حماس هجوما واسعا على جنوب إسرائيل، تسبب في مقتل أكثر 1400 إسرائيلي، كثف الجيش الإسرائيلي القصف الجوي على أنحاء القطاع، ما تسبب في مقتل أكثر من 10 الآف فلسطيني، وإصابة 25 ألف بجراح مختلفة، بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة. ويقول الناطق باسم الوزارة أشرف القدرة، إن المستشفيات في القطاع تعاني نقصاً كبيراً في الأطباء، لافتاً إلى أن الأطقم الطبية ربما لن تكون قادرة على التعامل مع الجرحى الذين سيتوافدون على المستشفيات في الأيام القادمة. وأضاف القدرة أن "جروح المصابين غائرة جدا وتحتاج إلى الكثير من الوقت لتضميدها، وكذلك إلى مضادات حيوية ومتابعة سريرية مكثفة على مدار الساعة". وقطعت إسرائيل إمدادات الدواء والوقود والكهرباء والغذاء والمياه عن قطاع غزة مباشرة بعد هجوم السابع من أكتوبر. وبدأ دخول إمدادات غذائية وطبية في 22 أكتوبر الماضي عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، لكن تلك الإمدادات يتم توزيعها في جنوب ووسط القطاع فقط. وقال رئيس قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى ناصر الطبي محمد قنديل، إن المستلزمات الطبية والأدوية التي تسلمتها من اللجنة الدولية الصليب الأحمر حتى الأن لم تغط ربع احتياجات المستشفى. وأضاف قنديل أن عدد الإصابات في ازدياد مستمر وأغلبهم يعانون إصابات بليغة مثل "تهتك بالأطراف والأعضاء الداخلية وتهشم بالجمجمة وحروق بكامل الجسد". وأشار إلى أن مستشفى ناصر استقبلت حوالي 4 ألاف جريح على الأقل منذ بدء الهجمات وأن ربعهم لا يزالون يتلقون العلاج وبعضهم يجلس في الممرات وساحة المستشفى. وتفيد لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) أن المدنيين وذوي الإعاقة والنساء والأطفال في غزة هم "أكثر انكشافا على آثار الحرب ويشكلون أعلى نسبة من الضحايا". وقالت وزيرة الصحة في السلطة الفلسطينية، مي الكيلة، إن إسرائيل في حربها على قطاع غزة "تـتنكر بالكامل للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان". وأضافت الكيلة في بيان صحفي، أن الجيش الإسرائيلي نقل "مجازره" إلى المستشفيات ومحيطها، دون أي تدخل للمجتمع الدولي، وللدول التي ينبغي عليها حماية القانون الدولي. وتحذر السلطات الصحية في غزة من أن معظم الخدمات الطبية قد تتوقف جراء الهجمات الإسرائيلية وحظر توريد الوقود إلى القطاع، لكن إسرائيل تقول إن حماس سطت على الوقود من أجل استخدامه في العمليات العسكرية. ونددت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية بانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة. ومع تطويق القوات البرية الإسرائيلية مدينة غزة وشمال القطاع الخميس الماضي، أصبح مصير الجرحى بالغ الخطورة بشكل أكبر. وقابل الجيش الإسرائيلي تحدي وزارة الصحة في غزة بإخراج قافلة إسعافات من مدينة غزة إلى معبر رفح البري مع مصر بقصف سيارتين على الأقل ما أسفر عن مقتل 15 فلسطينيا يوم الجمعة الماضية. وقال الجيش إن "مسلحي حماس يستخدمون سيارات الإسعاف في التمويه ونقل العتاد العسكري" وهو ما نفته السلطات الصحية في غزة. وغادرت أولى مجموعات الجرحى الفلسطينيين من قطاع غزة باتجاه مصر عبر معبر رفح الحدودي، ضمن مجموعة قوامها نحو 80 جريحا من الحالات الخطيرة (الأربعاء) الماضي. لكن البحطيطي والد سماح قال بصوت يكاد يختنق لوكالة أنباء ((شينخوا)) "مستعد أن أحملها على كتفي وأمشي على قدمي، حيث معبر رفح "المهم تتعالج وتتخلص من قسوة
مشاركة :