بمناسبة العيد الثالث والتسعين لمولد الشاعر العربي الكبير نزار قباني، وبعد احتفاء محرك البحث العالمي غوغل بهذه المناسبة، وتغيير شعاره لأعمال فنية تجسد شخصية شاعر الحب والمرأة في حياة الشاعر الراحل، يروي عمر قباني - ابن الشاعر- تفاصيل الاحتفالية، وأثرها في صور والده عالمياً، فاتحاً بذلك نافذة واسعة على سيرة الشاعر اليومية، وسيرة طفولته الغائبة، وتفاصيل حياته الخاصة. يكشف قباني في حواره لالخليج مجريات الاتفاق الذي عقد بين عائلة الشاعر وشركة غوغل، والتحضيرات التي سبقت هذا الاحتفاء، متوقفاً عند المصير الذي آلت إليه مكتبة والده، ومقتنياته الشخصية، وجهود الاحتفاء بوالده عالمياً. يقول قباني: تواصلت معي إحدى المديرات في فرع غوغل التابع للمنطقة العربية، وطلبت مني أن أوقع على عقد يضمن لها عدم الإفصاح عن تفاصيل الاتفاق بيننا، سواء وافقت عليه أم لا، وحدث ذلك فعلاً، وبعد ذلك أطلعتني على نيّة الشركة الاحتفال بمرور 93 عاماً على ميلاد أبي، فأثار ذلك حماسي، ووجدت فيها خطوة لافتة، ومهمة لتكريم شاعر قدّم للإنسانية خلاصة تجاربه الفكرية والحضارية. ويضيف: كشفت لي المسؤولة عن حجم التحضيرات التي خاضتها الشركة للإعلان عن هذه الفعالية، حيث أكدت أن العمل كان جارياً عليها منذ خمس سنوات، طرحت فيها الشركة الكثير من المشاورات حول اختيار والدي ليكون مرافقاً لشعار محرك البحث غوغل طوال يوم الواحد والعشرين من شهر مارس/آذار، وهو ما سيؤدي إلى نقاشات تبحث في تاريخه الشعري، وأثره العربي، ومواقفه السياسية، وما يمثله عند مختلف القراء حول العالم، وكان هذا الاحتفال بعد جهد كبير قامت به الشركة بفريق عمل كبير. ويشير قباني إلى أن هذه الخطوة تؤكد أن نزار قباني لم يكن شاعراً سورياً، أو عربياً وحسب، وإنما تعدّى ذلك ليكون شاعر الإنسانية بأسرها، مؤكداً أن ذلك يكشف رؤية العالم لأصحاب الجهود الإبداعية في العالم، خاصة في البلدان الغربية التي لا يكاد يخلو فيها شارع أو حديقة من تمثال، أو نصب، أو لوحة، أو متحف يخلّد سير الشعراء والكتاب. ويؤكد إقبال العالم على قراءة تجربة والده الشعرية ومواصلة البحث عنه، بالكشف عن الاتفاقات التي جرت في الآونة الأخيرة لترجمة نزار إلى الإيطالية، حيث تقوم دار نشر حالياً بالعمل على إصدار أعماله الأدبية الكاملة بالإيطالية، إلى جانب العروض الكثيرة التي تتواصل لترجمته إلى التركية، واليونانية، والإسبانية، والبرتغالية. يقول قباني حول مكتبة والده والمصير الذي آلت إليه: كان لوالدي مكتبتان رئيسيتان: الأولى في بيروت، حيث أعلن تفرغه للشعر في عام 1966، والثانية في لندن، ومكتبة ثالثة صغيرة كانت خلال إقامة العائلة في سويسرا، وهي لا تتعدّى بعض الكتب القليلة؛ إذ لم نمكث في سويسرا كثيراً، أما مكتبة لندن وهي التي ظلت معه حتى آخر يوم في حياته، فكانت تعجّ بالكتب من مختلف آداب العالم، فكانت تضم أدباً فرنسياً، وإنجليزياً، وعربياً، وفارسياً، إضافة إلى الأدب اللاتيني، والأدب الهندي. ويبين قباني: كان والدي حتى آخر يوم في حياته شغوفاً بالمعرفة، فلم يكن يتوانى عن البحث والتساؤل عن كل ما هو جديد، حتى إنه كان يسألني عن بعض نجوم الغناء الجدد، ويشير إلى الجيد منهم والرديء، حتى إنه ذات يوم وفي أواخر سنوات حياته سألني عن علامة تجارية لأحد المطاعم الأمريكية، وقال لي، اطلب لنا طعاماً من هذا النوع، أريد أن أختبر مذاقه. ويؤكد أن مكتبات والده محفوظة لدى العائلة، ويتابع: إلا أنني نقلت مكتبه الشخصي بكل ما فيه حتى اللوحة التي كانت تقابل المكتب، إلى بيتي في بيروت، واحتفظت بها، حيث كنت حريصاً أن يكون جزء من بيت والدي في بيتي، ولا زلت حتى اليوم أتأمل اللوحة التي تقابل مكتبه، وهي لوحة تجسد فتاة إسبانية بملامحها وأزيائها، أحضرها والدي معه حين كان يعمل في إسبانيا. ويلفت إلى أن مكتبته وسائر مقتنياته، وممتلكاته الشخصية، لا تجد مكانها الطبيعي من خلال متحف يليق بسيرة الشاعر، إذ ظلت فكرة إنشاء متحف له، تترد على لسان الكثير من المنفذين والمسؤولين، إلا أنها لم تتجاوز تلك الاقتراحات العابرة. ويشير إلى أهمية الاحتفاء بالرموز الثقافية، وإعطائها حقها لما قدمته لبلدانها وأمتها أمام البشرية، مستذكراً التكريم الذي نظمه الكونجرس بالتعاون مع أعضاء من الجالية السورية لنزار قباني، إذ أقيم له تمثال في الحدائق الثقافية روكفلرجاردنز في أمريكا، وهي حدائق تجمع أعلام الثقافة في العالم، فيقف نزار بجانب شكسبير، ونيتشه، والمهاتما غاندي، وغيرهم من القامات العالمية. يسرد قباني الملامح الأولى التي كان يسمعها عن سيرة والده في الطفولة، إذ يقول: كان والدي ولوعاً بمعرفة العالم من حوله، والرسالة التي سينقلها، فكان يجرب ما يجد أنه يملك منه طرف خيط، حيث تعلم الموسيقى، والعزف على العود، ومارس الرسم، وتعلم فنون الخط العربي، وكان يكتب اليافطات الحزبية مع جدي، حتى إنه ذات مرة وهو يحاول تجريب كل شئ حوله، أشعل النار في نفسه وأنقذته عمتي وصال، بإلقائه في بركة السباحة، وفي مرة أخرى أراد أن يجرب شعور الطيران، فألقى بنفسه من نافذة الغرفة في الطابق الثاني، إلا أنه سقط على واحدة من المظلات فوق النوافذ ونجا. وينتقل قباني إلى التاريخ المفصلي الذي شكل علامة مفصلية في سيرة عائلته، والمتمثل في مقتل والدته بلقيس في هجوم خلال تفجيرٍ انتحاري، استهدف السفارة العراقية في بيروت، فيتحدث: حين توفيت والدتي كنت في العاشرة من عمري، وشاهدت والدي وهو يقوم بدور الأم الحنون، ويضمني وأختي إليه ويقترب منا أكثر مما سبق، لنشاركه يومه كله، ويفيض عليها بعطفه، لعله يسدّ الهوة التي تركتها رحيل والدتي. ويضيف: ظل والدي طوال ذلك، حتى أنه لم يكن يدفع بنا لاختيار الأدب والفن مسيرة لنا، وإنما تركنا نكتشف حياتنا بذاتنا، وكان يكرر قوله: جربوا، واختاروا ما يليق بكم، فعملت في مجال العلوم والتصميم، وكان ينظر إليّ ويسألني: كيف اخترت هذا المجال الصعب؟ ويبدي دعمه وسعادته، ورغم ذلك لا أنكر أنني أحب الموسيقى وفي بعض الأحيان أقوم بتأليفها، وأستمتع بالكتابة وعملي يسمح لي أن أقوم بتطبيق هذا من خلال الكتابة الإبداعية، وأحب أيضاً الفنون البصرية. يختتم قباني حديثه عن حياة والده، وكأنه يهدم ما ظل يعرف عن نزار من طاقته على السهر، وحبه للنساء، فيقول: كان والدي دقيقاً جداً، يضع كل شيء في مكانه، ويكره الفوضى، ولم يكن كثير السهر والغياب عن البيت، وإنما أمضى سنوات كثيرة من حياته ينهي يومه بالنوم عند العاشرة مساءً، ويبدؤه مبكراً على مجموعة من الصحف العربية الكبيرة.
مشاركة :